علي حماده

كان استمرار التموضع العسكري والمخابراتي السوري في لبنان سنة 2005 قد لامس الحد الاقصى لاحتمال اللبنانيين على بقاء قوات عسكرية خارجية اتت في مهمة او مهمات موقتة وبقيت بفعل تراكم الاحداث، بعضها من صنع حروب القوى الاقليمية بالواسطة على ارض لبنان، وبعضها الآخر من صنع السياسة السورية في لبنان التي وصلت في مرحلة معينة الى طريق مسدود مع اللبنانيين، وقد عجزت خلال ولاية الرئيس السابق اميل لحود عن ابتكار وسيلة للخروج من لبنان عسكريا، وترك البلد وقضاياه الداخلية التفصيلية بيد ابنائه، والعمل على ابتداع علاقة مميزة مع لبنان تحفظ من خلالها مصالح لها مشروعة يؤمنها لها لبنان مستقل ومتحرر من كل وجود عسكري خارجي، عربياً كان أم اجنبياً.
التاريخ لم تَحِنْ بعد، نترك الامر للاجيال المقبلة من دون التزحزح قيد انملة عن القيم والمبادئ التي ارستها quot;ثورة الارزquot; في الحياة الوطنية اللبنانية، والتي اثمرت في لحظة ما بداية حقيقية لمسار استقلالي تعرض ولا يزال لحملات داخلية وخارجية لا تتوقف، اما من اجل ربطه بمحور خارجي من طريق اعادته الى وصاية ما وإما من اجل نسف توازناته الداخلية وتغيير المشهد السياسي والاجتماعي والثقافي جذريا. انما لا بد من بعض الملاحظات على هامش الذكرى السنوية الخامسة للانسحاب السوري:
1 - لم تكن quot;ثورة الارزquot; حربا على سوريا، انما كانت حالة اعتراضية ومعارضة لاستمرار وجود ووصاية خرجا عن النطاق المحتمل لبنانيا وربما سوريا.
2 - وقف اللبنانيون ضد النظام الامني والمخابراتي المشترك آنذاك الذي كان يسوق البلاد نحو دكتاتورية فعلية مرفوضة في لبنان.
3 - مثلت quot;ثورة الارزquot; التي لاقت مناخا دوليا مثلما لاقاها المناخ الدولي لحظة نادرة يستقل فيها وطن للمرة الثانية. ومن يعتبر ان التدخل الاجنبي كان السبب في خروج الجيش السوري من لبنان، عليه ان ينظر الى عودة دمشق الى الاسرة الدولية، واضطرارها الى عقد مصالحة وتسوية معينة مع ركن اساسي من الاقليم العربي عبدت امامها الطريق الى استكمال بناء علاقة جيدة مع لبنان.
4 - جرت مواجهة quot;ثورة الارزquot; بالدم، ومع ذلك بقيت ثورة سلمية متنوعة منفتحة على الآخر الذي واظب على تخوينها ولا يزال.
5 - خرج بعض القوى الاساسية من quot;ثورة الارزquot;، ولم يخرج جمهوره.
6 - ثمة اقتناع راسخ بضرورة بناء نمط من العلاقات مع سوريا يؤمن للطرفين استقرارا من زاوية عدم اكراه فريق لبناني كبير وربما اكثري على تقبل نمط ارتبط في ذاكرة اللبنانيين بمرحلة الوصاية. فهذا النمط من العلاقات، اما مباشرة واما بالواسطة (عبر الميليشيات المحلية) سيبقى عرضة للاهتزازات الدائمة، وسيكرر تجربة 2004 و2005.
7 - لم ينتصر محور على آخر. وما الباقي سوى حملة تهويل منظمة تهدف الى ايحاء استحصال دمشق على وكالة جديدة بالواقع اللبناني. وهذا تضليل كبير. من هنا ضرورة تمسك الاستقلاليين بما ارسوه من مبادئ دفع ثمنها دما ودموعا، وفي المعطى اللبناني ndash; السوري العمل على قيام علاقات.
8 - ان افضل ما يقال في العلاقات اللبنانية ـ السورية ما قاله رفيق الحريري: quot;ان لبنان لا يحكم من سوريا ولا يحكم ضدهاquot;.