عثمان ميرغني


بعد أكثر من تأجيل، أعلنت نتائج الانتخابات السودانية بنتيجة كانت متوقعة، بل محسومة، وهي فوز الرئيس الحالي عمر البشير. الأمر الوحيد الذي كان موضع ترقب هو معرفة نسبة الفوز، خصوصا مع تكرار الحديث عن وجود تجاوزات، واستمرار الخلاف والجدل بين شريكي الحكم، المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، ومع أطراف المعارضة الشمالية الأخرى.

وحسب الأرقام الرسمية المعلنة فقد حصل البشير على ستة ملايين صوت من أصوات الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم، وهم عشرة ملايين من أصل 16 مليون ناخب مسجل. وهذا يعني، حسب الأرقام الرسمية التي أعلنتها مفوضية الانتخابات، أن ستة ملايين ناخب قاطعوا الانتخابات (مع وجود نسبة ممن لم تحتسب أصواتهم لسبب أو لآخر) وهو رقم يعادل الرقم الذي حصل عليه المرشح الفائز، ويشكل ما يزيد قليلا عن نسبة 37% من عدد الناخبين. وبالنظر إلى أن هذه أول انتخابات laquo;تعدديةraquo; يشهدها السودان منذ حوالي ربع قرن، فقد كان المتوقع أن الإقبال عليها سيكون منقطع النظير وسيتجاوز كل التوقعات، إلا أن العملية شابها الكثير من الخلاف والجدل والتشكيك، تلته عدة انسحابات للمرشحين للرئاسة، مما أفقد الانتخابات صفتين أساسيتين، هما التعددية الحقيقية والشفافية الكاملة.

الغريب أنه رغم الانسحاب فقد حصل ياسر عرمان، مرشح الحركة الشعبية، على مليوني صوت، بنسبة 21% من عدد الأصوات التي تم فرزها. وهي إذا أضيفت إلى أصوات المقاطعين (6 ملايين) والأصوات التي حصل عليها المرشحون الآخرون، فإننا نكون أمام رقم يتجاوز ثمانية ملايين ناخب، أي أكثر من 50% من إجمالي الناخبين المسجلين، وهو أمر يطرح إشكالية حقيقية أمام من يتحدثون عن laquo;شرعيةraquo; انتخابية من النتائج المعلنة.

هناك مسألة أخرى تستحق التوقف أمامها، وهي نسبة فوز مرشح الحركة الشعبية، سلفا كير، في انتخابات رئاسة الجنوب، إذ حصل وفقا للأرقام الرسمية على 92% من الأصوات. فالجنوب صوت موحدا بينما صوت الشمال منقسما على نفسه، وكانت المشاركة عالية جدا في الانتخابات بالجنوب بينما تدنت في الشمال. هذا يعني أن الشمال يعاني من أزمة حكم في وقت يقف السودان فيه أمام مفترق طرق حقيقي، يتمثل في استحقاق استفتاء تقرير المصير في الجنوب الذي يحل بعد سبعة أشهر وبضعة أيام. فالناخبون في الجنوب أكدوا التفافهم حول الحركة الشعبية، وهو ما لم يحدث بالنسبة للمؤتمر الوطني في الشمال، كما أنهم أرسلوا رسالة مفادها أنهم مستعدون للاستفتاء ومقبلون عليه بأعداد كبيرة، وسط مؤشرات كثيرة توحي بأن خيارهم سيكون الانفصال وليس الاستمرار في الوحدة.

لقد كانت الانتخابات ــ بالطريقة التي جرت بها ــ بابا لتعميق الخلافات، لا لحلها، ودعمت احتمالات الانفصال بدلا من دعم فرص الوحدة. وكل الأعين ستكون مركزة خلال المرحلة المقبلة على مسألة الاستفتاء الآتي بكل تأكيد في الجنوب، لأنه بند أساسي من بنود اتفاقية السلام سيقود التراجع عنه البلاد إلى جولة أخرى من الحرب تكون بلا شك أشد دمارا من كل الجولات التي سبقتها.

الحكومة السودانية تدرك كل هذه الأمور، وترصد بلا شك التصريحات والتحركات الخارجية التي ربطت بين laquo;تقبلraquo; الانتخابات الأخيرة بكل علاتها وبين الاستفتاء المقبل في الجنوب. لهذا جاءت تصريحات البشير بعد إعلان فوزه لتؤكد التزام حكومته بإجراء الاستفتاء وقبول نتائجه واحترامها سواء كانت بالانفصال أو الاستمرار في الوحدة. ورغم كلام المسؤولين في المؤتمر الوطني الحاكم عن أن المعركة المقبلة أمام البلاد هي laquo;الوحدة الجاذبةraquo;، فإن الأمل في تحقيق معجزة تمنع الانفصال يبقى محدودا جدا، خصوصا بعد أن أضاعت الحكومة فترة تزيد عن خمس سنوات، منذ توقيع اتفاقية السلام، في المماحكات والخلافات مع الحركة الشعبية، وفي محاولات شق الجنوبيين. فماذا تستطيع أن تفعل الآن في سبعة أشهر؟

لقد شكلت الانتخابات بإفرازاتها الماثلة أمام الأعين مرحلة تعميق الخلافات في الشمال، وتعزيز فرص الانفصال في الجنوب، وربما تضع السودان في سكة مواجهة دولية بالنظر إلى التصريحات الصادرة من واشنطن ومن عواصم أوروبية، والتي تشير إلى أن نتيجة الانتخابات لن توقف ملاحقة الرئيس السوداني في اتهامات المحكمة الجنائية الدولية.

عقلاء النظام في الخرطوم يرون أنه لا بد من تجاوز نتيجة الانتخابات والبحث عن ترتيبات لمواجهة تحديات المرحلة المقبلة، بما في ذلك طرح تشكيل حكومة laquo;قوميةraquo; تشارك فيها مختلف الأطراف، بما في ذلك الأحزاب التي لم تشارك في الانتخابات. ورغم معارضة المتشددين داخل النظام الذين يرون في الانتخابات فرصة لتعزيز الانفراد بالحكم واستكمال مشروع القضاء على الأحزاب الشمالية الأخرى، فإن المخرج الوحيد أمام البلاد ربما يكون في البحث عن وسائل لتحقيق مصالحة وطنية حقيقية وتشكيل حكومة جامعة تحقق السلام في دارفور وتشرف على استحقاق استفتاء الجنوب. فالسودان أمام مفترق طرق ويحتاج إلى رؤية قومية وروح تصالحية.