خالد مدخلي

الهجوم الانتحاري الذي استهدف السفير البريطاني في اليمن يظهر أن تنظيم القاعدة ما زال قويا ً وقادراً على العودة من جديد كما يؤكد أن تصميم الجماعة المتشددة على تنفيذ هجمات مؤثرة لم يتراجع بالرغم من الضربات القوية التي تلقاها من قوات الحكومة اليمنية والتي خسر بسببها العديد من الكوادر والقيادات المهمة ، وهو ما يعني أيضا أن صنعاء تحتاج المزيد من المساعدة لمحاربة هذه الجماعة .
الهجوم فشل في تحقيق أهدافه ، ولم يقتل فيه سوى الانتحاري .. والسفير البريطاني لم يصب بأذىً وقرر إغلاق سفارته ، لكن الأثر الرمزي القوي سيجذب انتباه العالم ويلقي بالكثير من الشك على الجهود التي تقوم بها الحكومة اليمنية لسحق هذا الفرع للتنظيم المتشدد الذي أرعب الجميع بطموحاته التي تتجاوز كل الحدود .
56 عملية إرهابية نفذتها القاعدة بين عامي 1992 و 2009 ، وأكثر من 12 عملية إرهابية نفذت خلال هذه المدة الزمنية ضد مصالح أجنبية ومنشآت اقتصادية و سياح أجانب إضافةً إلى السفارتين الأمريكية والبريطانية ، ولذا ليس صحيحاً القول إن اليمن نجحت في القضاء على الهيكل التنظيمي المحلي للقاعدة هذا من جانب ، ومن جهة أخرى فإن المعلومات التي نشرتها السلطات الأمنية اليمنية حول هوية الانتحاري في العملية الأخيرة التي استهدفت السفير البريطاني في ساحة برلين ( عثمان الصلوي الطالب في الثانوية العامة من محافظة تعز جنوب صنعاء وأنه تلقى تدريباته في محافظة مأرب التي تعد إحدى أهم معاقل القاعدة في اليمن ) تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن اليمن اليوم باتت تمثل الحاضن الفكري الذي يمكن التنظيم من مواصلة نشاطه الإرهابي مستفيداً من قدرته على تجنيد عناصر جديدة وتدريبها على الفنون المختلفة من تخطيط وتدريب واستخدام للأسلحة والمتفجرات وصناعتها وتركيبها ، والأخطر من ذلك إطلاق تلك العناصر المدربة بعد ذلك إلى الدول الأخرى المجاورة وهو ما تحقق فعليا في المحاولات الأخيرة التي استهدفت المملكة والتي أجهضتها قوات الأمن السعودية على الحدود الجنوبية في الأشهر الماضية ، حيث ترى القاعدة أن اليمن لقربها من المملكة العربية السعودية هي قاعدة الانطلاق الأنسب ، وفي تصريح لأحد قيادات التنظيم ( أبو بصير ) لإحدى وسائل الإعلام القاعدية يقول : الهدف ليس اليمن بل السعودية فالنظام اليمني شبه منهار وتكالبت عليه عدة عوامل وهو عاجز عن حسم الحرب في محافظة صعدة أو مواجهة الاحتجاجات المتزايدة في المحافظات الجنوبية وانه سينهار قريبا تحت ضربات المجاهدين الذين سيركزون على استهداف السعودية باعتبارها رأس الحربة في الحرب ضد تنظيم القاعدة .
ومن زاوية أخرى فإن تنظيم القاعدة في اليمن يشكل قلقاً كبيراً للمجتمع الدولي عموما وللولايات المتحدة على وجه الخصوص التي ترى أن مواجهة المستقبل مع التنظيم المتطرف ستكون ساحتها اليمن بعد العراق وأفغانستان ولذلك جرت الدعوة لمؤتمر دولي في لندن حيث بحث مانحون عرب وغربيون كيفية مساعدة هذه الدولة الفقيرة ، ولم يتعهد المانحون بمزيد من الأموال ولكن اليمن وعد بتنفيذ إصلاحات ، لكن ذلك لم يحدث حتى الآن فالمساعدات التي تأتي من الخارج ليست كبيرة جداً على الإطلاق حسب تأكيدات بعض الأطراف الدولية ولذلك المشكلة تتفاقم ، وهذا يعني أن الخطر ما زال قائماً وقد يؤدي إلي تبني استراتيجيات جديدة أكثر قوةً يتبناها المجتمع الدولي وأمريكا لمواجهته .
النظام اليمني لا يبدو أنه مهتم كثيراً بالقاعدة وهو مشغول أكثر بمشكلاته مع المتمردين في الشمال والانفصاليين في الجنوب الذين يهددون مصالحه على المدى البعيد ، ولذا ستبقى اليمن إذا لم يتم التعامل مع قضاياه ومشاكله التي لا تنتهي بشكل جدي ساحة للمواجهة والتطرف ونقطة للانطلاق .