فاتح عبدالسلام
كلما تكشف جهة أمريكية عسكرية أو استخبارية أو اعلامية في توقيت مناسباتي يخصها عن فضيحة تعذيب في سجون سرية لدي احدي الحكومات (العراقية)، تجري متابعة لاحقة لذلك الاكتشاف الامريكي كخبر (مهم) بين الأخبار، ما يلبث أن يفقد الخبر بريقه بالتقادم الزمني وبسبب علو صوت الانفجارات والمفخخات والاغتيالات ليعود الوضع المخزي الي مكانه تحت الرماد الذي لا يزال جمره متقداً. وكأنَّ تلك السجون السرية لم تكن تضم بضع مئات من أرباب عوائل منكوبة فقدت معيلها الوحيد عند اختفائه في أحد تلك السجون وقد اقامت بعضها مجالس عزاء لأبنائهم لأنهم لم يعثروا علي جثثهم وتبين بالصدفة أو عن طريق دفع الرشا في شراء المعلومات، انهم مختفون في سجون تحرسها القوي الديمقراطية والدستورية في البلاد.
هل يعقل أنْ يخلو العراق هذا البلد الذي يقال انه (تحرر) وذاق طعم الديمقراطية من منظمات عراقية قانونية ومجتمعية ذات استقلالية تمكنها من التحقيق في أمر تلك السجون وتتبع اخبارها عبر مصادرها الخاصة بل وكشفها قبل الجانب الامريكي ومن ثم اعداد تقارير موثقة يمكن احالتها الي محاكم دولية؟ أري انها هي الوجهة الحقيقية التي يجب ان يتوجه اليها العراقيون بعد ان فقدت امكانية ملاحقة الحقوق عبر محاكم محلية لا تزال علناً أو سراً تخضع للبندقية ومن لم يخضع منها يطيحه رصاصها أو يجمد قراراتها ويحولها الي حبر علي ورق في أحسن الأحوال.
اذا تعذر قيام تلك المنظمات الحقوقية داخل العراق المستباح بالاغتيالات والسجون السرية فانه يمكن ان يكون الخارج مكاناً بديلاً لقيام منظمات تدافع عن حقوق العراقيين المغيبين في السجون الرسمية أو السرية من دون محاكمات.
عراقيون يجري اعتقالهم التعسفي من داخل بيوتهم وأمام أسرهم وأطفالهم بشكل مهين وعنيف ومن ثم يحالف بعضهم حظ صدفة (التفتيش الدولي) فيطلق سراحه بعد سنتين أو ثلاث. ولكن من دون أن يكون له حق أو قدرة الشكوي ضد الحكومة المحمية بقوانين الطوارئ والارهاب التي ضيعت من حياته ذلك الوقت الكبير كله وألحقت الأذي الفادح بمصدر رزق أسرته، فضلاً عن اجواء الخوف والرعب والابتزاز التي وضعت فيها أسرته في اثناء فترة اعتقاله. مَنْ يعوض هؤلاء المعتقلين الذين يطلق سراحهم لأنهم أبرياء.. و مَنْ يعوض المعتقلين الذين يحاكمون باعترافات تحت التعذيب وهم أبرياء أيضاً. الي مَنْ يلتجئ هؤلاء؟
أهكذا تجري عملية الاستهانة بالدم العراقي، حيث ترتكب حكومة الفظائع ضد الانسانية ثم تنتهي فترتها وتمضي من دون حساب؟ والأنكي من ذلك تصر علي تجديد سلطتها (ضد) العراقيين؟
التعليقات