سمير عطا الله


بدأت العمل الصحافي في المرحلة التي بدأ فيها حكم فيدل كاسترو في كوبا. كنت أكتب محييا ثورته بقلم متعثر ولغة كثيرة الأغلاط، فقد أطاح باتيستا، الديكتاتور القبيح وشريك المافيا الأميركية. وكان كاسترو الوسيم والكاريزمي، يعد شعبه ومحبي الحرية حول العالم، بالحريات والمساواة والإنصاف وإلغاء الفقر، وجاء أيضا في زمن أفاقت فيه الشعوب مرة واحدة، وتعاضد الطالعون من نير الاستعمار، وبدا أن عصر الحرية حان ولا اضطهاد ولا سجون بعد اليوم.

كان عملي يقضي أن أترجم وأحرر الأخبار المعدة للنشر كل يوم، ثم بدأت الأخبار الآتية من هافانا تتغير.. كل يوم، كل يوم، خبر عن إعدامات جديدة بالرصاص، ثم اتسعت سجون كوبا، ثم أخذ مقاتل الاستعمار يرسل آلاف الجنود للقتال في أفريقيا، وبعدها يعدم ضباط تلك الغرف بداعي الفساد والتهريب، ثم أخذ الكوبيون يفرون بالآلاف، ثم بعشرات الآلاف ثم بالملايين.

ولم يبق من الثورة سوى الوسامة والخطابات المطولة إلى الرفاق.. 5 أو 6 ساعات من عرض laquo;منجزات الثورةraquo;، في بلد لم تتغير فيه المصانع والمعامل منذ 50 عاما.. laquo;قفزات الثورةraquo; في بلد لا يزيد فيه راتب المهندس على 20 دولارا في الشهر.. laquo;أمجاد الثورةraquo; في عاصمة أخاذة زال عن مبانيها الطلاء وبدأت حجارتها تتساقط.

كان هناك ما هو أسوأ من الحصار الداخلي الذي ضربه فيدل كاسترو حول الجزيرة المغنية، لقد كان هناك الحصار الذي ضربته الجارة الأميركية منذ نصف قرن على بلد اختار أن يكون خصمها السياسي. تغير منذ بدء الحصار 9 رؤساء على البيت الأبيض، وباستثناء بيل كلينتون، لم يفكر أحد منهم في رفعه عن الشعب الجار، وفي هذا جور هائل على الجوار القريب. ما هذا النوع من العقاب الذي تفرضه دولة تعلن أنها تريد نشر الديمقراطية في العالم بقوة السلاح، ثم تعاقب بلدا بأكمله بحجة الخلاف في الرأي السياسي؟

ماذا تنتظر أميركا؟ هل هي تنتظر، بجدية، زوال عائلة كاسترو؟ هل تنتظر قيام انتخابات حرة على طريقة الانتخابات السودانية التي ضمن حريتها ونزاهتها جيمي كارتر، حامي البرلمانات الحرة في العالم؟ ألم يحن الوقت لأن يحرر رجل مثل أوباما، البيت الأبيض، من عبء الحصار الذي يضربه حول نفسه في عقاب كوبا؟