لندن

تلجم الفرامل السيارة عن الحراك لكنها لا تعيق دفق الكلام عن الإنطلاق.
''بكم؟' يسألها بيقين الزبون الباحث عن سلعة عصية على الإنقراض.
يأتيه الجواب: 'خمسة وعشرون دينار'
'يدخل مع الفتاة الثلاثينية في جدال أسعار ينتهي بتخفيض بسيط. ثم يسألها من جديد: 'بواقي ذكري أو بدونه؟'.
من دون إكتراث ترمي له الجواب المجبول بجهل السؤال: 'مثل ما بدّك'،' وكأن المطلوب جزء من حالة ترف جنسي تفتقر إلى عنصر الضرورة.
كان المشهد يبث للمشاهدين مباشرة عبر شاشة الكاميرا السرية الخاصة ببرنامج 'لجنة تقصي الحقائق' والتي كانت تصور ما يدور على الجانب الآخر من الطريق، أما الصوت فكان يصدر من قلب السيارة ،المستأجرة خصيصا لهدف التصوير، عبر جهاز بث زرعه الزميل علي هاشم ، معد البرنامج، تحت أحد المقاعد. كانت الصور متتالية مصحوبة بحوار يشبه ذلك الذي تزدحم به الأفلام، لكنه كان يعكس حال ظاهرة تخطت حدود المحدود في بلد تحكمه العادات والتقاليد ومجتمعه يصنف عادة في خانة المحافظ.
قبل التصوير كان على طاقم البرنامج معاينة مكان يمكن وضع فيه كاميرا سرية، يقول علي هاشم ويتابع: توجهنا إلى إحدى الحدائق المشهورة بإنتشار مقاهي الدعارة فيها، كما يقول علي هاشم، وما كادت رجلينا ان تطأ المكان حتى حاصرتنا خمس أو ست فتيات وبدأت كل واحدة منهن بدعوتنا إلى المقهى واعدات إيانا بأفضل الأوقات 'ما بتطلع إلا مبسوط من عندنا، تدخل معنا على القهوة و منجلس جلسة رواق'. طلبنا منهن خمس دقائق لجلب شيء من السيارة، لكننا لم نعد.
بالتوازي مع التصوير السري كان لا بد من إيجاد فتاة تقبل الحديث أمام الكاميرا، ليتقرب البرنامج بشكل أو بآخر من العالم السري لبائعات الهوى في الأردن، لم يطل البحث كثيرا وبمساعدة البعض تمت مقابلة روان وريما، الأولى في أوائل الثلاثينات والثانية لم تتخط العقد الثاني من عمرها، لكل منهن قصة ونقطة بداية لكن الواضح ان مصيرا متشابها لحق بهن.
'قبل الكلام امام الكاميرا نريد ان نغطي وجهينا' قالت روان التي لم تثق بأن بإمكان فريق الاعداد إخفاء الوجوه وتغيير طبيعة الصوت، ففضلت ورفيقتها إرتداء نقاب يخفي أي تفصيل بسيط في الوجوه على قاعدة 'الوقاية خير من قنطار علاج'.
'انا مطلقة وعندي أولاد ولا أحد يرضى بتوظيفي وإن وظفوني فسأدفع الثمن من جسدي' للوهلة الأولى كانت ستبكي، لكن روان حبست الدموع ، سكتت لبرهة ثم نظرت إلى معد البرنامج وكأنه قاض في محكمة يحل ويربط 'انا لا أريد ان أستمر في هذا العمل، لكن خياراتي معدومة'.
ريما بالمقابل بدت أكثر تماسكا، لكن جرحها أكبر. طلاق والديها أوصلها إلى الميتم ومنه شقت طريقها إلى حيث هي الآن: 'والدي مسافر ووالدتي لا أعلم عنها شيئا، تطلقا وأنا صغيرة وتركاني في ميتم وهناك تعرفت على من دلني على هذا الطريق' تطرق قليلا ثم تسأل: 'هل من وظيفة يمكن ان تؤمن لي مستوى الدخل الذي أحصل عليه هنا؟'.
بين النوادي الليلة والشارع توزع ريما وروان' فترات عملهن، والهدف الأساسي 'سحب الشباب '، 'الشاب الذي أمامي أحاول أن أسحبه، أحاول أن أغريه ليأتي إلي ونذهب إلى شقته أو فندق' تقول روان وتوافقها على ذلك ريما التي بدورها تتعامل عبر الهاتف أحيانا، حيث تعطي رقمها للزبائن الذين يعودون إليها عند الحاجة.
لكن ما هي الأسعار المعتمدة وكم عدد الزبائن في اليوم الواحد؟
الإجابة جاءت موحدة: 'أربعين إلى سبعين دينار'. أضف إلى ذلك ان الحد الأدنى لزبائن اليوم الواحد هو ثلاثة، أي أن الفتاة الواحدة تجني يوما أكثر مما يجنيه معد البرنامج الصحفي المتمرس بعد دفع الضرائب.
كيف تتوقين؟ سؤال طرحته على الفتاتين، لكني لم أسمع جوابا يعطي إنطباعا ان أي منهن تفقه في وسائل الوقاية شيئا: ' ليس شرطا أن أستعمل أدوات وقاية' تقول ريما بشكل حاسم، ما يشعرك بأن لديها ما تقوله في هذا المجال، ثم تضيف: ' المهم ان يكون الزبون نظيفا، لكن هذا لا يكون إشتراط حيث أن البعض لا يرضى على نفسه هذا الشيء لأنه يكون في الحرام'.
'فتكتشف أن السؤال ومضمونه لم يجدوا لهم طريقا إلى قاموسها، كما يضيف علي.