عبدالخالق عبدالله


تصاعدت معركة العقوبات الاقتصادية بين واشنطن وطهران، وبلغت مستويات جديدة خلال الأسبوع الماضي الذي كان أسبوعا إيرانيا برازيليّاً تركيّاً بامتياز، فقد تمكنت إيران التي كانت على وشك أن تخسر معركة العقوبات الاقتصادية في مجلس الأمن، من التوصل إلى اتفاق طهران الثلاثي الذي كان هدفه الاستراتيجي وقف الدفع الأميركي لعزل إيران دبلوماسيا، ووقف السير في جولة رابعة من العقوبات الاقتصادية الدولية بسبب برنامجها النووي المثير للجدل.
وجاء الرد الأميركي بأسرع مما كان متوقعا على هذا التمرد الدبلوماسي التركي البرازيلي المزدوج والمفاجئ، ففي أقل من 24 ساعة من توقيع اتفاق طهران في 17 مايو أعلنت واشنطن على لسان وزير خارجيتها هيلاري كلينتون التي تتزعم تيار التشدد في إدارة أوباما، أن معركة عزل طهران، التي استثمرت فيها إدارة أوباما كثيراً مستمرة ولن تتوقف، وأن الجولة الرابعة من العقوبات الاقتصادية آتية لا ريب فيها، وأن الولايات المتحدة الأميركية ستلجأ لجميع الوسائل المتاحة لديها، وأهمها سلاح العقوبات الاقتصادية، لمنع إيران من أن تصبح قوة نووية عسكرية تهدد المصالح الأميركية الحيوية في الخليج العربي.
ورغم أن دول مجلس التعاون قريبة كل القرب من إيران، وتتابع عن كثب معركة العقوبات الاقتصادية التي تتصاعد يوميا، فإن هذه الدول امتنعت عن الكلام والتعليق، وآثرت عدم تحديد موقفها الرسمي أو الإدلاء برأيها في اتفاق طهران الأخير الذي استقطب ردود أفعال إقليمية ودولية واسعة. الصمت الخليجي الرسمي مدهش وغير مقبول، خاصة أن دول مجلس التعاون هي الطرف الأكثر تأثرا بالعقوبات الاقتصادية، كما أن تداعيات هذه العقوبات ستكون ضخمة بالنسبة لأمن واستقرار المنطقة.
من المهم أن يكون الموقف الخليجي الرسمي تجاه العقوبات الاقتصادية على إيران واضحا كل الوضوح، وينبغي تكراره في كل المناسبات، خاصة في ظل تصاعد المعركة الدبلوماسية بين واشنطن وطهران، ومن المهم التأكيد وبما لا يدع مجالا للشك أن دول مجلس التعاون تعارض العقوبات مبدئيا وسياسيا واقتصاديا.
فمن حيث المبدأ تعارض دول مجلس التعاون كغيرها من الدول العقوبات لكونها تضر بالشعوب وليس بالحكومات، وتزيد من معاناة الأفراد أكثر مما تزيد من معاناة الأنظمة، وتؤكد الشواهد التاريخية أن العقوبات لا تأتي بنتائج سريعة، ولا تغير المواقف السياسية بل تستخدم من قبل الحكومات والحكام لتوحيد الجبهة الداخلية والبقاء طويلا في السلطة.
تجربة العراق خير مثال على عدم جدوى العقوبات في تغيير سلوك النظم والحكومات الاستبدادية، لقد استمر نظام صدام حسين في الحكم ولم يغير سياساته الداخلية والخارجية رغم أن حزمة العقوبات الاقتصادية ضد العراق كانت قاسية كل القسوة، وصارمة كل الصرامة وغير مسبوقة في التاريخ المعاصر، كذلك هو الأمر بالنسبة لكوريا الشمالية التي لم توقف برنامجها النووي بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، بل إنها اليوم أكثر تمسكا بهذا البرنامج الذي أصبح سلاحها الرادع الوحيد ضد أي عمل عسكري خارجي، ولا يختلف الحال كثيراً بالنسبة لكوبا التي تعيش في ظل عقوبات أميركية أحادية متواصلة منذ نحو ستة عقود، لكنها لم تتراجع عن نهجها الثوري، ولم تقدم تنازلات مهمة للولايات المتحدة الأميركية من أجل رفع العقوبات عنها.
علاوة على الموقف الأخلاقي الذي ربما لا قيمة له في العمل السياسي، يجب على دول مجلس التعاون أن تعلن أنها ضد العقوبات الاقتصادية لأسباب سياسية بحتة، فالمؤكد أن العقوبات ضد إيران ستزيد من التوتر وعدم الاستقرار في الخليج العربي الذي يتسم بأنه الأكثر توترا وعسكرة في العالم. الخليج العربي أفضل حالا بدون العقوبات، والمواجهات، والمناورات، والتهديدات والتهديدات المضادة، والمصلحة الخليجية العليا تكمن في تخفيف التوترات وليس في زيادتها.
لذلك فإن أي نشاط دبلوماسي، كاتفاق طهران الثلاثي، يسهم في جعل الخليج العربي أكثر استقرارا ينبغي أن يرحب به خليجيا، العقوبات الاقتصادية ستجعل إيران أكثر إصرارا على السير في برنامجها النووي لضمان الردع العسكري، ويجعلها أكثر رغبة في تصعيد الخلافات مع دول الجوار، وأكثر اندفاعا للدخول في جولة جديدة من سباق التسلح التقليدي والنووي والصاروخي في منطقة عانت كثيرا من الحروب وسباق التسلح الذي تستفيد منه الدول المصنعة والمصدرة للسلاح وفي المقدمة الولايات المتحدة الأميركية.
أخيرا ينبغي لدول مجلس التعاون أن تكون ضد العقوبات الاقتصادية من منطلق أن هذه العقوبات تؤثر سلبا على مصالحها التجارية الواسعة مع إيران، ضرر العقوبات يعم اقتصادات جميع دول مجلس التعاون، خاصة دولة الإمارات وبالأخص اقتصاد دبي المرتبطة تجاريا واستثماريا بإيران أكثر من غيرها في المنطقة، فلقد قام ستيورت ليفي، مساعد وزير الخزانة الأميركي، بزيارة هذه المدينة الخليجية 12 مرة خلال السنتين الماضيتين من أجل كسب ودها، والضغط عليها، ودفعها للتجاوب مع العقوبات الاقتصادية المتوقعة ضد إيران، فبدون تعاون دبي لا يمكن لهذه العقوبات أن تحقق أي نجاح.
لهذه الأسباب الأخلاقية والسياسية والاقتصادية ينبغي لدول مجلس التعاون أن تكون ضد العقوبات على إيران، إلا إذا جاءت مفروضة بقرار مجلس الأمن وبإجماع دولي، عند ذلك فقط ستكون هذه الدول الأكثر التزاماً به رغم أنها حتماً ستكون الأكثر تضرراً منه.
العقوبات الاقتصادية ليست غاية بل وسيلة لتحقيق غايات سياسية واستراتيجية، لذلك فالسؤال هو: ما الغرض من فرض العقوبات، وما تداعياتها على المنطقة؟ هل ستضعف العقوبات حكومة محمود أحمدي نجاد، وتلجم إيران التشدد والتمدد؟ وهل تؤجّل برنامجها النووي أم تعجّله، وتجعلها أكثر تجاوبا مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية؟ والأهم من ذلك.. هل ستجعل العقوبات إيران عامل استقرار أم عامل عدم استقرار في المنطقة؟
الإجابة على هذه الأسئلة تحدِّد موقف دول مجلس التعاون من العقوبات، ومن اتفاق طهران الثلاثي الذي يشكل اخترقا دبلوماسيا مهما كان من الضروري الترحيب به بوضوح بدلا من موقف الصمت الرسمي الخليجي غير المفهوم وغير المبرر.