دبي

بعد اتفاقية الإطار للتعاون في حوض النيل، التي وقعتها أربع من دول منابع النهر، هي إثيوبيا، تنزانيا، أوغندا ورواندا، وانضمت إليها كينيا بعد ذلك، والتي ترى مصرُ والسودان، أنها تنتقص من حصتهما التاريخية في مياه النيل، بدا لوهلة أن الأمور تتجه نحو التصعيد، وقد تؤدي إلى نشوب حرب .

ولكن اللهجة التصالحية التي جنحت إليها كل من مصر وإثيوبيا في الآونة الأخيرة، تجعل هذا الاحتمال غير وارد، على الرغم من بعض المعلقين الإعلاميين الذي يرون غير ذلك .

في صحيفة ldquo;جابان تايمزrdquo; (28/5/2010) يستهل غوني داير، مقالته بالحديث عن الحرب، ويستشهد بقول الرئيس المصري الراحل، أنور السادات، بعد توقيع معاهدة السلام مع ldquo;إسرائيلrdquo; سنة 1979: ldquo;إن المسألة الوحيدة التي يمكن أن تجرّ مصر إلى الحرب مرة أخرى هي الماءrdquo; . ويتابع الكاتب قائلاً، إن الزمان دار دورته، وباتت الآن حرب محتملة تزحف على الأجندة المصرية .

ويضيف، أن مصر هي القوة الاقتصادية والثقافية الكبرى في العالم العربي: حيث يشكل سكانها وعددهم 78 مليوناً، ثلث السكان الناطقين بالعربية تقريباً . ولكن 99% منها صحراء مكشوفة، وجريان نهر النيل فيها هو الذي يضفي عليها تلك الحيوية .

ويستعرض الكاتب معاهدة ،1929 برعاية الامبراطورية البريطانية التي كانت تسيطر حينئذٍ على مصر والسودان ومعظم الدول التي تقع عند منابع النهر، في شرق إفريقيا . ويقول إن تلك الاتفاقية منحت القاهرة حق الاعتراض على أي تطورات تجري عند منابع النهر، وتؤدّي إلى تقليل كمية الماء في النيل . وكان السبب المنطقي وراء ذلك عندئذٍ، هو أن دول المنبع تتمتع بأمطار غزيرة، بينما تعتمد مصر والسودان (اللتان كانتا تُحكَمان يومئذٍ كبلد واحد) على مياه النيل بصورة تامة .

ويمضي الكاتب في سرده قائلاً: وبعد ثلاثين سنة، أي في سنة ،1959 عندما كانت مصر والسودان قد استقلتا، بينما لا تزال جميع دول المنبع ما عدا إثيوبيا، خاضعة للاستعمار، وقّعت مصر والسودان اتفاقية تركت 10% فقط من مياه النيل لدول المنبع السبع، بينما أعطت مصرَ 80% وأعطت السودانَ ما تبقّى . وكانت الحجة يومئذٍ هي الحجة ذاتها، أي أن دول المنبع تتمتع بهطول أمطار غزيرة، بينما لا تنزل في مصر أو السودان أمطار تُذكر .

ويضيف الكاتب قائلاً: إن اوغندا، رواندا، تنزانيا وإثيوبيا، وقّعت في 14 مايو/ أيار اتفاقية للوصول إلى المزيد من مياه النيل . كما وقعت عليها كينيا في الأسبوع الماضي، ويتوقع أن يوقع كل من الكونغو وبوروندي في القريب العاجل . وقد وصف وزير الموارد المائية في كينيا، تشاريتي نغيلو، معاهدة 1929 بأنها ldquo;عتيقة وعفى عليها الزمنrdquo; وقال إن مصر والسودان ldquo;ليس أمامهما خيارrdquo; سوى التفاوض على إعادة تحصيص مياه النيل . وردّت القاهرة على ذلك، قائلة إن الاتفاقية الجديدة ldquo;لا تُلزم مصر من الناحية القانونية بأي شكل من الأشكالrdquo;، وأن ldquo;مصر لن تنضم أو توقع على أي اتفاقية تؤثر في نصيبها من المياهrdquo; .

ويقول الكاتب، إن وجهة النظر هذه مفهومة، إذ يتعين على مصر أن تفكر بكيفية إطعام 95 مليوناً من المصريين خلال 15 سنة فقط . ويضيف قائلاً: ولكنّ وجة النظر هذه لا تلقى كثيراً من التعاطف في أديس أبابا، التي يجب عليها أن تطعم الآن، 91 مليون إثيوبي، بينما يجب عليها أن تجد قوتاً ل 140 مليوناً بعد خمس عشرة سنة .

ويذكر الكاتب، أنّ جميع الدول في شرق افريقيا والقرن الإفريقي لديها معدل نمو سكاني أكبر من مصر، ويساورها القلق بشأن كيفية إطعام شعوبها . ولذلك فهي تريد أن تستخدم بعض مياه النيل لمشاريع الري فيها . وإثيوبيا التي توفر أنهارها 85% من الماء الذي يصل مصر، مستفزة بوجه خاص .

ويرى الكاتب أن التنبؤات بحدوث ldquo;حروب مياهrdquo;، أمر طبيعي، ولكنها مع ذلك، نادراً ما تحدث، لأن من الأرخص والأقل تكلفة أن تتفق الدول في ما بينها، وتتقاسم المياه .

وينقل الكاتب عن رئيس الوزراء الإثيوبي، ميليس زيناوي قوله مؤخراً: ldquo;معلوم للجميع، أنّ لدى المصريين قوات متخصصة في حرب الغابات . ومصر ليست مشهورة بغاباتها . وإذا كان قد تم تدريب هذه القوات على حرب الغابات، فلعلّ ذلك للقتال في غابات دول شرق إفريقياrdquo; .

ويضيف زيناوي ldquo;إن الرؤساء المصريين كانوا بين الحين والآخر، يهددون الدول بعمل عسكري إذا تحركت . وبينما لا أستطيع أن أسقط قعقعة السلاح من الحساب بصورة تامة، فإنني لا اعتبرها خياراً مجدياً . وإذا كانت مصر ستخطط لمنع إثيوبيا من الإفادة من مياه النيل، فسوف يكون عليها أن تحتل إثيوبيا، ولم يحدث لدولة على وجه الأرض أن فعلت ذلك في الماضيrdquo; .

ولكن هذا الخطاب يتناقض مع ما ذكرته صحيفة ldquo;نيو بزنسrdquo; إثيوبيا، (27/5/2010)، التي قالت: في ختام المؤتمر الصحفي الذي عقده في مكتبه مع وسائل الإعلام المحلية والعالمية أمس، 26/،5 أشار زيناوي، إلى أن الحرب مع مصر أو السودان بسبب نهر النيل، ليست متوقعة ولا مجدية .

وتمضي الصحيفة قائلة: تفيد التقارير الإعلامية أن تدشين محطة بيليس للطاقة المائية قبل عدة أسابيع، والاتفاقية التي تم التوصل اليها بين خمس من دول حوض النيل من بينها إثيوبيا، لم تكن أخباراً سارة لدى بعض المصريين . . لأنهم يخشون أن تقل المياه التي اعتادوا الحصول عليها من نهر النيل، إذا بدأت إثيوبيا باستعمالها .

وتنسب الصحيفة إلى رئيس الوزراء الإثيوبي، ميليس زيناوي قوله: ldquo;لا شيء يوصلنا إلى الحرب مع مصر أو السودان، بسبب النيل . إننا لم نفعل شيئاً يُضرّ بالمصالح الأساسية لمصر أو السودان . ونحن نقول، إننا إذا استخدمنا مياه النيل بطريقة علمية، فإن النيل يكفي لنا جميعاًrdquo; .

ويشير زيناوي، كما تقول الصحيفة، إلى أن السببين الرئيسيين اللذين كانا يمنعان إثيوبيا من الانتفاع بمياه النيل حتى الآن، بينما كان شعبها يعاني من الجفاف والقحط في أحيان متكررة، هما عدم الاستقرار الداخلي، والافتقار إلى الاستثمارات الكبيرة التي يتطلبها بناء السدود على النهر .

وقال زيناوي: إننا لن نحارب مصر . . وإن مثل هذه الحروب لا يمكن تصورها في القرن الحادي والعشرين، ولا في القرن التاسع عشر . ولا أعتقد أن زعماء مصر سيرتكبون مثل هذه الغلطة .

وليست فكرة الحرب واردة بالنسبة إلى مصر أيضاً . . فقد جاء في موقع تلفزيون (روسيا اليوم) على شبكة الانترنت، (27/5/2010)، أن الناطق باسم مجلس الشورى المصري، والأمين العام للحزب الديمقراطي الوطني الحاكم، صفوت الشريف، قال إن مياه النيل ليست مسألة حياة أو موت بالنسبة إلى مصر . وقال: إن بعض الناس يحبون أن يصوروها بهذه الطريقة ولكن الوضع ليس على هذا النحو أبداً . وأكّد في مقابلة أجراها معه تلفزيون روسيا اليوم، أن مصر لن تستخدم عضلاتها العسكرية ضدّ الدول الأخرى في حوض النيل، لكي تفرض طريقتها عليها .

وقال، إنّ مَن يزعمون أن مصر يمكن ان تستخدم قوتها العسكرية ضدّ الدول الأخرى في حوض النيل، تعوزهم الفطنة، ويفتقرون إلى الحنكة السياسية .

وحثّ الشريف على إنهاء ldquo;المبالغات الإعلاميةrdquo; التي تحيط بهذه المسألة . وقال إن مياه النيل ستظل متوفرة لمصر، وليست مصر في صراع مع أي كان، ولا تُكنّ الضغينة لأحد .

ومصر تملك الإرادة السياسية والعزم على التوصل إلى تفاهم مع جميع دول حوض النيل الأخرى .

وقد ذكرت الأنباء كذلك، أن رئيس الوزراء المصري، د .أحمد نظيف قال إنّ مصر لديها قناعة تامة بأن الموارد المائية في حوض النيل تكفي لتنمية كل دول المنطقة . . وشدد على عدم وجود أي انشقاق بين مصر والحوض، وأن الحوار ينبغي أن يكون الوسيلة التي يجب أن توصل الجميع للإطار الذي يحافظ على مصالح جميع دول الحوض، مؤكداً استمرار التفاوض للتوصل لأفضل الصيغ التي تحقق مصالح الجميعrdquo; .