نيويورك

في هذه المقالة يتحدث الكاتب في صحيفة نيويورك تايمز توماس فريدمان عن انطباعاته من زيارته الأخيرة إلى تركيا، ويبدي تخوفه من الاتجاه الجديد للسياسة التركية بعد سنوات ظلت هذه السياسة عنصر توازن واستقرار في السياسة الدولية:
طالما شعرت بالاعجاب تجاه تركيا: الشعب والثقافة والطعام، والأهم من كل ذلك فكرة تركيا الحديثة والعصرية والعلمانية والمسلمة والديموقراطية التي تحتفظ بعلاقات جيدة مع العرب وإسرائيل والغرب. وفي أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، كنت من بين أولئك الذين اثنوا على النموذج التركي كنقيض لـlaquo;البنلادنيةraquo;.
وفي الواقع، كانت آخر مرة أزور فيها تركيا عام 2005، وكانت نقاشاتي مع المسؤولين تتركز على جهود تركيا للانضمام الى الاتحاد الأوروبي، ولهذا السبب فوجئت حين عدت هذه المرة لأجد أن هذه الحكومة ذات الميول الإسلامية لا تركز على هذا الموضوع على ما يبدو، بل تتجه أنظارها نحو جامعة الدول العربية، وانخرطت في جبهة مناهضة لإسرائيل تضم إيران وlaquo;حزب اللهraquo; وlaquo;حماسraquo;.
يقول المسؤولون الأتراك ان هذا التقييم مبالغ فيه. وهذا صحيح. ولكني لم أبالغ كثيرا، لقد أدت سلسلة من الفراغات التي ظهرت في تركيا وحولها خلال السنوات الأخيرة الى سحب تركيا، بقيادة حزب العدالة والتنمية، بعيدا عن نقطة التوازن التي كانت تقف عليها بين الشرق والغرب. فهذا الدور المتوازن الذي اضطلعت به تركيا طويلا كان عامل تهدئة واستقرار في السياسة الدولية، لقد اقنعتني زيارتي الأخيرة الى اسطنبول أننا نوشك على خسارة هذا الدور اذا امتلأت هذه الفراغات بشكل خاطئ.

أردوغان ليس دكتاتوراً

الفراغ الأول يتعلق بالاتحاد الأوروبي الذي بدأ ينفض يديه من وعود بقبول عضوية تركيا اذا أصلحت نظامها الاقتصادي، وقوانينها، وحقوق الأقليات، وعلاقات المؤسسة المدنية بالمؤسسة العسكرية، وهو ما فعلته حكومة أردوغان بنجاح. لقد كان رفض عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي هو العامل الأبرز في دفعها الى التقارب مع إيران والعالم العربي.
ولكن في سياق تحركها جنوبا، وجدت تركيا فراغا جديدا يتمثل في غياب القيادة في العالمين العربي والإسلامي، فمصر تسير على غير هدى، والسعودية في سبات، وسوريا بلد صغير جدا، والعراق بلد هش.
أما الفراغ الثالث فيرتبط بفشل إسرائيل في إيجاد حل للمشكلة الفلسطينية. ولكن ليس مفهوما ان يندد أردوغان بالإسرائيليين ويصفهم بالقتلة وفي الوقت ذاته، يستقبل الرئيس السوداني عمر البشير في أنقرة، وهو المطلوب إلقاء القبض عليه من محكمة الجنايات الدولية لارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. واستقباله الرئيس الإيراني أحمدي نجاد الذي قمع التظاهرات ضد تزوير الانتخابات.
أما الفراغ الأخير، فهو داخل تركيا. لقد عمت الفوضى داخل الأحزاب العلمانية المعارضة على مدى السنوات العشر الأخيرة، ونجحت الحكومة في تخويف الجيش وإسكات الصحافة وإجبارها على ممارسة الرقابة الذاتية.
أردوغان شخصية كاريزمية ويمكن ان يكون براغماتيا، ولكنه ليس دكتاتورا، وأحب ان أراه يتمتع بشعبية واسعة في الشارع العربي، شريطة الا يصبح راديكاليا أكثر من الراديكاليين العرب، بل بدعم الديموقراطية والتوسط النزيه بين الاسرائيليين والفلسطينيين. ولكن لا يبدو ان أردوغان يسير على هذا الطريق، وهذا أمر يثير القلق، ويحسن الرئيس أوباما صنعا لو دعا أردوغان الى البيت الأبيض لتنقية الأجواء قبل ان تتدهور العلاقات الأميركية - التركية أكثر فأكثر.