خليل الزنجي
فجـأة ودون مقدمات وجد الساسة والجنرالات الاتراك اعلامهم ترفع في الدول العربية جنبا الى جنب مع اعلام المقاومة العربية وصور زعمائها التاريخيين، وانهالت الكثير من المبادرات تجاه الدولة التركية لتعزيز وجودها عربيا وشرق اوسطيا حتى اعلنت احدى الدول الخليجية عن تنظيم اول ملتقى اعلامي يجمع العرب والاتراك ربما يعقد نهاية هذا العام، الى طلبات اخرى بفتح معاهد خاصة لتدريس اللغة التركية باعتبارها لغة الاحرار، ولابأس بان يتم استيراد المياه التركية كي يتعلم الناس الطهارة الثورية من لدن وارثة السلطنة العثمانية، في الوقت الذي وجد فيه ارودغان نفسه بين ليلة وضحاها يشّبه بالخليفة الثاني للمسلمين عمر بن الخطاب وهو الوسام الذي منحته اياه جبهة علماء الازهر.
لقد شارك الكثير من العرب (سياسيون واحزاب وكتاب مقاومة) في هذا الزفة التركية على اعتبار ان ما حدث هو تحول استراتيجي لصالح القضية الفلسطينية وهي القضية المركزية للعرب بمختلف اطيافهم، لان عودة السلطان العثماني الى حضنه الدافىء في الشرق بعد غياب اكثر من 70عاما باتت وشيكة، وان حضوره المبجل سيعيد ترتيب التوازنات السياسية في المنطقة ليس فقط بين العرب واسرائيل وانما بين العرب وايران ايضا وفق الاعتبارات المذهبية السياسية.
هذا الحماس العربي للمشاركة في الزفة التركية شكل ارباكاً للساسة الاتراك جميعهم لان تركيا تتحرك حسب منطق الدولة، بينما يريد العرب من خلال مشاركتهم في الزفة ان يجنح الوليف التاريخي الى منطق الثورة في العلاقات الدولية وهو ما لاتريده تركيا الآن وفي المستقبل ولهذا سارع المسؤولون الاتراك الى اطلاق التصريحات المعبرة عن هذا التوجه في خضم هذه الزفة السياسية، ففي لقائنا مع السفير التركي في البحرين سألته عن مستقبل العلاقات التركية الاسرائيلية فاجاب بدبلوماسية واقعية ان ذلك يعتمد على سياسة اسرائيل اللاحقة حتى عندما سألته عن القراءة الدبلوماسية التركية للرسائل الاسرائيلية عبر الاهانة التي تعرض لها سفيرها في الكيان الاسرائيلي ولاحقا قتل الاتراك على ظهر قافلة الحرية قالraquo; ان ذلك تُسأل عنه اسرائيلraquo; وهو جواب في معناه الدبلوماسي ان تركيا لاتقوم في سياستها على ردة الفعل، بعكس السلوك العربي الذي يتحرك على مبدأ ردة الفعل دون استراتيجية مسبقة.
وباستثناء الخطاب العاطفي الملتهب الذي القاه اوردغان في احدى المدن التركية وهو خطاب كان موجه للامة التركية وليس للخارج ومايعني طبيعة ذلك الخطاب، فان بقية التصريحات جاءت لوقف السير في الزفة التركية والمزايدة عليها فقد اعلن وزير الدفاع التركي ان بلاده لن تجمد أي اتفاق مع اسرائيل وتابعه نائب رئيس الوزراء التركي بتصريح لافت عندما قال laquo;افتراض انهاء كل العلاقات مع دولة اخرى وعلى الفور والقول باننا حذفنا اسمكم تماما فان ذلك ليس من عادة بلادناraquo;
لاشك ان تركيا سوف تقوم باستثمار هذه الازمة الاخيرة التي سببتها الهمجية الاسرائيلية في تحقيق مصالحها القومية العليا واثبات انها دولة كبيرة ويمكن لها ان تدخل كطرف اساسي في قضايا الشرق الاوسط كقضية النووي الايراني والوضع العراقي بل يمتد ذلك حتى باكستان وافغانستان، وبجملة مختصرة تريد تركيا ان تحول الشرق الاوسط الى ورقة ضغط تستخدمها لتحقيق اهداف على الضفة الشرقية لتركيا وخصوصا فما يتعلق بانضمام تركيا الى مجموعة الدول الاوربية.
بخلاف التحليلات القائمة على الامنيات، فان تركيا تهتم بانضمامها الى الاتحاد الاوربي اكثر من عودتها الى الحضن التاريخي لاسباب عدة لايمكن حصرها في هذا المقال ولكن يمكن ايجازها الى تراكمات التجربة السياسية التركية بكل ابعادها منذ 1923 بعد تأسيس الدولة الحديثة بقيادة كمال اتاتورك التي جاءت اثر انهيار الدولة العثمانية، وان تركيا بسياسيها وجنرالاتها لن يتخلوا سريعا عن حلم الانضمام للحلف الاوربي للامتيازات السياسية والاقتصادية التي تعود عليها جراء ذلك الانضمام، في المقابل فان دخولها كقوة مؤثرة في الشرق الاوسط في ظل هذه الظروف المعقدة التي يعيشها هذا الشرق منذ عقود لن يضيف لها شيئا على الصعيد السياسي والاقتصادي لان التوازنات السياسية هنا اصبحت من الرسوخ ما لايمكن اختراقه، كما ان شبكة المصالح الاقتصادية الدولية حُسمت مبكرا، اضاقة الى انه لايمكن التغاضي عن المشكلات السياسية التي تواجهها تركيا في المنطقة، فعلاقاتها مع سوريا والعراق لم تصل الى المستوى المثالي فبينهما ملفات معلقة كملف الاكراد والمياه والحدود والتي يمكن ان تفتح في أي لحظة، وفوق ذلك كله التنافس التركي الايراني على النفوذ في المنطقة الذي لاشك بانه سيأتي على حساب التنمية الاقتصادية في تركيا لما يكلفه صراع النفوذ في أي منطقة، اضف الى ذلك علاقات تركيا مع ارمينيا وغيرها، كل ذلك الذي يفرض على المحللين السياسيين والكتاب العرب قراءة متأنية للازمة العابرة بين تركيا واسرائيل حتى لايتم تحميل تركيا اكثر مما تحتمله لنخسرها كشريك سياسي واقتصادي بدل التعويل على استرداد الابوة التاريخية.
ثمة درس مهم يمكننا استيعابه -بعد انقضاء هذه الزفة- وهو كيف نتعامل مع المجتمع الدولي بمفهوم الدولة المغيب عن سلوكنا السياسي الذي ما زالت تتحكم فيه العواطف وردات الفعل بدلا من العقلانية واخذ زمام المبادرة.
لقد شارك الكثير من العرب (سياسيون واحزاب وكتاب مقاومة) في هذا الزفة التركية على اعتبار ان ما حدث هو تحول استراتيجي لصالح القضية الفلسطينية وهي القضية المركزية للعرب بمختلف اطيافهم، لان عودة السلطان العثماني الى حضنه الدافىء في الشرق بعد غياب اكثر من 70عاما باتت وشيكة، وان حضوره المبجل سيعيد ترتيب التوازنات السياسية في المنطقة ليس فقط بين العرب واسرائيل وانما بين العرب وايران ايضا وفق الاعتبارات المذهبية السياسية.
هذا الحماس العربي للمشاركة في الزفة التركية شكل ارباكاً للساسة الاتراك جميعهم لان تركيا تتحرك حسب منطق الدولة، بينما يريد العرب من خلال مشاركتهم في الزفة ان يجنح الوليف التاريخي الى منطق الثورة في العلاقات الدولية وهو ما لاتريده تركيا الآن وفي المستقبل ولهذا سارع المسؤولون الاتراك الى اطلاق التصريحات المعبرة عن هذا التوجه في خضم هذه الزفة السياسية، ففي لقائنا مع السفير التركي في البحرين سألته عن مستقبل العلاقات التركية الاسرائيلية فاجاب بدبلوماسية واقعية ان ذلك يعتمد على سياسة اسرائيل اللاحقة حتى عندما سألته عن القراءة الدبلوماسية التركية للرسائل الاسرائيلية عبر الاهانة التي تعرض لها سفيرها في الكيان الاسرائيلي ولاحقا قتل الاتراك على ظهر قافلة الحرية قالraquo; ان ذلك تُسأل عنه اسرائيلraquo; وهو جواب في معناه الدبلوماسي ان تركيا لاتقوم في سياستها على ردة الفعل، بعكس السلوك العربي الذي يتحرك على مبدأ ردة الفعل دون استراتيجية مسبقة.
وباستثناء الخطاب العاطفي الملتهب الذي القاه اوردغان في احدى المدن التركية وهو خطاب كان موجه للامة التركية وليس للخارج ومايعني طبيعة ذلك الخطاب، فان بقية التصريحات جاءت لوقف السير في الزفة التركية والمزايدة عليها فقد اعلن وزير الدفاع التركي ان بلاده لن تجمد أي اتفاق مع اسرائيل وتابعه نائب رئيس الوزراء التركي بتصريح لافت عندما قال laquo;افتراض انهاء كل العلاقات مع دولة اخرى وعلى الفور والقول باننا حذفنا اسمكم تماما فان ذلك ليس من عادة بلادناraquo;
لاشك ان تركيا سوف تقوم باستثمار هذه الازمة الاخيرة التي سببتها الهمجية الاسرائيلية في تحقيق مصالحها القومية العليا واثبات انها دولة كبيرة ويمكن لها ان تدخل كطرف اساسي في قضايا الشرق الاوسط كقضية النووي الايراني والوضع العراقي بل يمتد ذلك حتى باكستان وافغانستان، وبجملة مختصرة تريد تركيا ان تحول الشرق الاوسط الى ورقة ضغط تستخدمها لتحقيق اهداف على الضفة الشرقية لتركيا وخصوصا فما يتعلق بانضمام تركيا الى مجموعة الدول الاوربية.
بخلاف التحليلات القائمة على الامنيات، فان تركيا تهتم بانضمامها الى الاتحاد الاوربي اكثر من عودتها الى الحضن التاريخي لاسباب عدة لايمكن حصرها في هذا المقال ولكن يمكن ايجازها الى تراكمات التجربة السياسية التركية بكل ابعادها منذ 1923 بعد تأسيس الدولة الحديثة بقيادة كمال اتاتورك التي جاءت اثر انهيار الدولة العثمانية، وان تركيا بسياسيها وجنرالاتها لن يتخلوا سريعا عن حلم الانضمام للحلف الاوربي للامتيازات السياسية والاقتصادية التي تعود عليها جراء ذلك الانضمام، في المقابل فان دخولها كقوة مؤثرة في الشرق الاوسط في ظل هذه الظروف المعقدة التي يعيشها هذا الشرق منذ عقود لن يضيف لها شيئا على الصعيد السياسي والاقتصادي لان التوازنات السياسية هنا اصبحت من الرسوخ ما لايمكن اختراقه، كما ان شبكة المصالح الاقتصادية الدولية حُسمت مبكرا، اضاقة الى انه لايمكن التغاضي عن المشكلات السياسية التي تواجهها تركيا في المنطقة، فعلاقاتها مع سوريا والعراق لم تصل الى المستوى المثالي فبينهما ملفات معلقة كملف الاكراد والمياه والحدود والتي يمكن ان تفتح في أي لحظة، وفوق ذلك كله التنافس التركي الايراني على النفوذ في المنطقة الذي لاشك بانه سيأتي على حساب التنمية الاقتصادية في تركيا لما يكلفه صراع النفوذ في أي منطقة، اضف الى ذلك علاقات تركيا مع ارمينيا وغيرها، كل ذلك الذي يفرض على المحللين السياسيين والكتاب العرب قراءة متأنية للازمة العابرة بين تركيا واسرائيل حتى لايتم تحميل تركيا اكثر مما تحتمله لنخسرها كشريك سياسي واقتصادي بدل التعويل على استرداد الابوة التاريخية.
ثمة درس مهم يمكننا استيعابه -بعد انقضاء هذه الزفة- وهو كيف نتعامل مع المجتمع الدولي بمفهوم الدولة المغيب عن سلوكنا السياسي الذي ما زالت تتحكم فيه العواطف وردات الفعل بدلا من العقلانية واخذ زمام المبادرة.
التعليقات