laquo;الجهاد العالميraquo; يفقد قاعدته المصرية والمراجعات أحدثت فرزاً بين الداخل والخارج
القاهرة - هاني نسيره
على رغم مرور نحو شهر على وفاة مصطفى أبو اليزيد الرجل الثالث في القاعدة، والقائد العام للتنظيم في أفغانســـتان في 30 أيار (مايو) الماضي، لم تصدر عن الرجل الثاني في التنظيم أيمن الظواهري أي كلمة رثاء أو ذكر لهذا الرجل، على رغم ما بينهما من علاقة تمتد لعقود منذ أن كانا نزيلين معاً في زنزانة واحدة في السجون المصرية على ذمة قضية اغتيال الرئيس أنور السادات عام 1981، كما لم يصدر أي رثاء له من قبل بقايا الجهاديين في مصر.
كان غياب الظواهري مثيراً للتساؤل، ليس فقط للعلاقة التاريخية التي ربطت بين القياديين الجهاديين المصريين، ولكن أيضاً لمكانة ودور أبي اليزيد على مدار 22 عاماً داخل شبكة laquo;القاعدةraquo;، كما تذكر في بيان نعيه، التي كان عضو مجلس شوراها، والقائد العام للتنظيم في أفغانستان، ومسؤولاً كبيراً في عدد من أكبر عملياتها، مثل أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) عام 2001، أو عملية خوست التي نفذها الأردني أبو دجانة الخراساني في 30 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، والتي راح ضحيتها سبعة من ضباط الاستخبارات الأميركية وضابط استخبارات أردني، كما يُظن أنه كان مسؤولاً عن جزء كبير من الجوانب الإعلامية داخل التنظيم ومع تنظيمات laquo;القاعدةraquo; الفرعية و laquo;طالبانraquo;.
وزاد من شرعية التساؤل وسخونة الجدل حول تجاهل الظواهري لوفاة مصطفى أبو اليزيد، ظهور الظواهري في أوائل حزيران (يونيو) في شريط لشبكة laquo;السحابraquo;، الذراع الإعلامية للـ laquo;قاعدةraquo; والمسؤولة عن لقاءات الظواهري، موجهاً للشعب المصري وأسرة الشاب المصري خالد سعيد (28 سنة) بعد وفاته في الإسكندرية في السجن بأيام قليلة، جعل بعض أعضاء منتديات المسلم (muslim.net) يقارنون موقفه في قضية الشاب المصري المجهول وعدم صدور بيان أو كلمة رثاء له في حق رفيق عمره الشيخ مصطفى أبو اليزيد.
وجاء رد أنصار laquo;القاعدةraquo; تبريرياً واعتذارياً، إذ ورد في الرد أن الشريط الذي بثته laquo;القاعدةraquo; بعد أيام قليلة من مقـــــتل الشاب شريط قديم تمت إعادة بثه لتشابه رسالته مع قضية مقتل الشــــاب المصري، ودعوة المتسائلين والمشككين في موقف الظواهري للانتظار أسابيع أخرى، اذ قد يصدر بيان عن الظواهري في نعي صديقه، ومستدلين في قضية التأخــير بما سبق من تأخر نعي الظواهري و laquo;القاعدةraquo; زعيمي laquo;القاعدةraquo; في العراق أكثر من شهر، نظراً الى ظروف الحصار وصعوبة التحركات والاتصالات.
وهذا ما يؤكد وجود أزمة الظواهري وأزمة laquo;القاعدةraquo; في الآونة الأخيرة، وضعف الأذرع الإعلامية لها في أفغانستان شأن laquo;السحابraquo;، بينما تنشط أذرعها الإعلامية في اليمن عبر laquo;صدى الملاحمraquo; وفي العراق عبر شبكات laquo;حنينraquo; و laquo;المجاهدينraquo; و laquo;مركز الفجر للإعلامraquo;، كما أسست حركة المجاهدين الصومالية منبراً إعلامياً رسمياً لها في 18 كانون الأول عام 2009، فيـــما دأبت laquo;السحابraquo; خلال هذا العام على إصدار تسجيلات قديمة لها أو سبق تسجيلها.
لكن ليست هذه هي المرة الأولى التي يغيب فيها الظواهري عن رثاء جهادي مصري، كما تغيب معه أصوات باقي الجهاديين داخل مصر، فقد سبق أن غاب الظواهري عن رثاء محمد خليل الحكايمة زعيم ومؤسسraquo; كتائب عبدالله عزام: تنظيم القاعدة في بلاد الشام وارض الكنانةraquo; وعضو الجماعة الإسلامية المصرية السابق الذي رفض مراجعاتها وخرج عليها، والذي قتل في نهاية شهر أيلول 2008، وهو الخبر الذي لم يتأكد إلا في شهر أيار 2010، أثناء حوار مع صهره السعودي صالح القرعاوي، وهو يشغل منصب القائد الميداني لكتائب عبدالله عزام، وقد أتى تأكيده في إشارة عابرة داخل الحوار، حيث أكد القرعاوي وفاته سريعاً، قائلاً لمحاوره وبعبارة مقتضبة laquo;إنه مات رحمه اللهraquo;!
ظهر الظواهري مرات عديدة، بعد وفاة الحكايمة لكنه لم يذكره، ولو مرة واحدة منذ وفاته قبل سنتين، على رغم أن الظهور الأول للحكايمة كان بجوار الظواهري نفسه عام 2006 معلناً انضمامه ومجموعته laquo;الثابتون على العهدraquo; للـ laquo;قاعدةraquo;، رافضاً مراجعات الجماعة الإسلامية المصرية، ولم يلفت مقتل الحكايمة الذي اختفى فترة من الوقت قبل مقتله، انتباه أي من الجهاديين المصريين أو الجماعة الإسلامية المصرية بعد ذلك.
ولكن لا شك في أن علاقة ومكانة أبي اليزيد بالظواهري كانــت أكثر عمقاً ورسوخاً من علاقته بسواه كالحكايمة، ما يجعل شـــرعية التساؤل حول عدم ذكـــره واردة، وإن كانت مـــبررة بأزمته وأزمة حركته منــذ عمـــلية خوست التي كانت معدة بالأساس للقضاء عليه، وتشتت التنظيم في أفغانستان وباكستان، في ظل استراتيجية اوباما الجديدة للتقارب مع laquo;طالبانraquo; وتحـــديد العدو في laquo;القاعدةraquo; فقط.
تجاهل بقايا الجهاديين في مصر
استناداً لواقعة مقتل أبي اليزيد يمكننا القول إن هناك تراجعاً ملحوظاً في عدد الرموز الجهادية المصرية التي تجذب الانتباه داخل مصر وربما خارجها، بعد انطلاق وانتشار تيار المراجعات داخل الجماعات المصرية بالخصوص، وغلبة تيار رئيسي يتجه للمصالحة مع النظام المصري وعدم استخدام السلاح والانخراط في العمل العام محلياً.
ويأتي الظواهري في مقدم من يجذبون الانتباه داخل مصر، لكونه الرجل الثاني في laquo;القاعدةraquo; فتتواتر خطاباته في نقد الحكومة المـــصرية وسياساتها الخارجية والداخلية، كما تشــــتبك معه نقدياً الجماعة الإسلامية المصرية بالخصوص، رفضاً لأطروحاته أو رداً على اتهاماته لها بالتراجع، من دون أن يكون له تأثير على بقايا جماعة الجهاد المصرية التي انخرطت في تيار المراجعات بفي شكل رئيسي.
بينما نشط أصحاب المنتديات الجهادية في الخارج، شأن أبي الحارث المحضار صاحب منتدي laquo;مداد السيوفraquo;، وهاني السباعي مدير laquo;مركز المقريزي للدراساتraquo;، على رغم اختلاف الأخيرين بعد معركة المحضار واتهاماته الشيخ أبا محمد المقدسي التي رفضها السباعي ورفض معها تزكيته، وكذلك بعض الناشطين المصريين في مختلف المنتديات الجهادية، شأن أبي مصعب القاهري (منتدى السيوف) وأبي محمد المصري (منتديات المسلم). ومن هذه المنتديات يمكننا ملاحظة السمات الآتية على المشهد الجهادي المصري:
1 - انفصال ملحوظ بين مجموعات الجهاديين المصريين في الداخل والخارج، فبينما يكاد يجمع جهاديو الداخل، باستثناء مجموعة صغيرة داخل السجون، على الانخراط في تيار المراجعات والترحيب بالعمل السياسي السلمي، والتركيز على تكوين تيار محلي يعتمد الحاكمية ولكن من دون العمل والانقلاب المسلح، يصر معظم جهاديي مصر في الخارج على الارتباط بـ laquo;القاعدةraquo; أو السلفية الجهادية.
2 - ظهور اتجاه جهادي داخل مصر بين تيار المراجعات وتيار laquo;القاعدةraquo;، يبحث من طريق ثالث يرفض ما انتهت إليه مراجعات كل من الدكتور فضل وكذلك مراجعات الجماعة الإسلامية، كما يرفض العمل المسلح وعولمة الجهاد الذي تدعو إليه laquo;القاعدةraquo;، وتبرز في هذا الاتجاه مراجعات القيادي الجهادي السابق عبود الزمر التي سماهاraquo; البديل الثالثraquo; وجهادي مصري مقيم في بريطانيا يدعى أحمد آل عبد الغني، في نقده المنشور عام 2007 لمراجعات د. فضل، ولكنه يظل في مجموعة معارضة للعمل المسلح.
3 - ضـــعف جاذبية laquo;القاعدةraquo; ورموزها عند بقايا الجهاديـــين في مصر، ويأتي استثناء الاهتمام بالظواهري اهــتماماً نـــقدياً ومعارضاً بدرجة أساسية، كما لم يصدر نعي من جـــهادي مصـــري واحد مقيم في داخل مصر لأي رمز جهادي ســـواء كان أبا اليزيد أو الحكايمة أو محمد عاطف أو غيرهم، وهو عكس ما يلتزم به جهاديو الخارج على اختلافهم.
الأرجح أن هـــناك تراجعاً عاماً لرمزية ومكانة العنصر المصــري داخـــل laquo;القاعدةraquo; بوفاة مصطفى أبو اليزيد، وقـــبله العديد من قادة الجهاد المصري سواء من جيل المؤســـســـين شأن أبي عبـــيده البنشــيري (علي أمين الرشيدي الذي غرق في بحيرة فيكتوريا عام 1993) وأبي حفص المصري (محمد عاطف أبو ستة قتل في تشـــرين الثاني/ نوفمبر 2001) وعدم نجاح الظواهري في محاولات ضمه مجموعات من الجماعة الإســــلامية المصرية في الخارج باستثناء الحكايمة، الذي يبدو أنه لم يكن قريباً منه ولم يكن من الدائرة المهمة في قيادات laquo;القاعدةraquo;، كما يتضـــح من عدم ذكره على رغم وفاته قبل عامين سواء من الظواهري نفسه أو سائر الجهاديين المصريين.
التعليقات