زهير قصيباتي
لا يمكن إنكار نجاح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في تبييض صفحته لدى الرئيس الأميركي باراك أوباما، بافتراض اسودادها، ليس بسبب قتل الأتراك في laquo;أسطول الحريةraquo;، بل نتيجة إحراج البيت الأبيض وتطويق جهوده لإحياء المسار التفاوضي الفلسطيني، بسلسلة لا تنتهي من مشاريع الاستيطان.
وإذا كان بين الإسرائيليين مَن laquo;فوجئ جداًraquo; بانقلاب لهجة أوباما من التأنيب للحليف الى الإشادة بخطاه في تخفيف حصار غزة (يستعير تجربة الأميركيين في الحصار الاقتصادي لعراق صدام حسين)، فالحال أن الصدمة هي أقل ما يقال عن وقع قمة في البيت الأبيض، أرادها نتانياهو لتضليل واشنطن، ونجح أيَّما نجاح... فبات كل أمر، يصنّفه مهدِّداً لأمن إسرائيل، محظوراً لدى أوباما، والتصنيف مرة أخرى حق حصري لائتلاف المتطرفين في الدولة العبرية، تعجز عنه خبرة الأميركي وحنكة مبعوثه جورج ميتشل.
ما فعله رئيس الوزراء الإسرائيلي في واشنطن، بعد شهور من التوتر والاضطراب في العلاقة مع الشريك الأميركي، أنه تمكن من وضع أوباما في موقع من يطلب العذر لـ laquo;التماديraquo; في الإصرار على وقف الاستيطان، وعدم التصدي في مؤتمر المعاهدة النووية لجر إسرائيل الى قفص الاتهام للمرة الأولى، وعدم الإصرار على لائحة laquo;حسن سلوكraquo; فلسطيني يقدمها الرئيس محمود عباس كشرط لمجرد معاودة التفاوض.
تجاهل أوباما قضية الاعتداء على laquo;أسطول الحريةraquo;، ولم يصرّ على تمديد فترة التجميد الجزئي للاستيطان في الضفة الغربية، بل بدا وقد حوّل وجهة الضغوط إلى عباس كي يعلن قبوله أولاً مفاوضات مباشرة مع حكومة نتانياهو الذي سعى الى طرح نفسه عبر الإعلام الأميركي، داعية سلام يستجدي النيات الحسنة. وبعض هذا الإعلام (صحيفة laquo;نيويورك تايمزraquo;) ربما لم يعنِ الرد على إهانة الإسرائيلي لنائب الرئيس الأميركي جو بايدن خلال زيارته الشهيرة وإحراجه بإعلان مخطط سرطاني استيطاني جديد... إذ اختارت الصحيفة يوم قمة التضليل في البيت الأبيض لتكشف هبات من جماعات أميركية ضخت خلال عشر سنين مئتي مليون دولار لتهويد أجزاء من الضفة الغربية والقدس الشرقية، وربما تسليح مستوطنين.
أما وزيرة الثقافة الإسرائيلية فلعلها حين استبقت قمة تبادل الورود والوعود بين أوباما ونتانياهو، برفض حاسم لأي تمديد لتجميد الاستيطان، سعت الى تخفيف الضغوط على رئيس الوزراء، اللاهث لمصافحة عباس ومعانقته أمام طاولة مفاوضات، لا أحد يعرف لها لوناً أو مدى زمنياً، أو لائحة أهداف. وحين يحدد عباس مسألتي الحدود والأمن، يرد رئيس الوزراء الإسرائيلي بوعد بإجراءات لبناء laquo;الثقةraquo;، عبر تخفيف القيود التي تكبّل تحرك الفلسطينيين. يكفي ذلك ليتشجع أوباما، فثمار التعاون الاستخباراتي والأمني بين واشنطن وتل أبيب كانت كافية لغسل القلوب في القمة، وعاد سيد البيت الأبيض ليذكّرنا بأن ما بين الحليفين لن ينكسر.
بصرف النظر عن احتمالات غسل العقول في خلوة القمة، لا يمكن الجانب الأميركي أن يدعي إصراراً على تعهد نتانياهو تمديد تجميد الاستيطان، كثمن حتمي للضغط على عباس وإقناعه بمفاوضات مباشرة وشيكة. والحال أن ما أفصح عنه أوباما للتفاؤل بهذه المحادثات قبل laquo;وقت طويلraquo; من أيلول (سبتمبر) المقبل، يضع السلطة الفلسطينية امام خيارين، كلاهما مرّ: الاقتناع برفع بعض الحواجز الإسرائيلية وتخفيف الطوق حول حركة الفلسطينيين في الضفة، للعودة الى المفاوضات، وتلقي سهام التخويف مجدداً من laquo;حماسraquo;، بلا أي مقابل جدي في محادثات بلا أفق، وإما رفض الفخ الإسرائيلي ومواجهة أزمة مع واشنطن.
الاحتمال الأخير هو ما يثير القلق لدى دول عربية معنية، إذ يبطِل أي مفعول لتلويح السلطة الفلسطينية بحلّ نفسها، وإن فعلت تخلي الساحة لخطط التهويد، وخفض مساحة مشروع الدولة لينكفئ وراء laquo;حدودraquo; غزة.
نجح نتانياهو حتماً في لعب ورقة laquo;التهديدات الجديدةraquo; التي تواجه laquo;المصالح الأميركية ndash; الإسرائيليةraquo;، فيما قلبُ أوباما على معركة التجديد النصفي لأعضاء الكونغرس، وعينه على كسب ود اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة. وإذا كان مبكراً القول بانقلاب الرئيس الأميركي على وعوده في مطلع عهده وخلال أزمة الثقة مع laquo;الحليف الأولraquo;، فالثابت أن لغة المصلحة المشتركة بين الفلسطينيين ما زالت أضعف بكثير من مسارات الحصار على غزة، والتهويد في الضفة. معها لا يمكن الرهان على مصالحة بينهم، ولا على أزمة تضعضع الحلف الذي laquo;لا ينكسرraquo;.