زهير الدجيلي


فاجأ القائد العام للجيش الأميركي في العراق الجنرال راي اوديرنو الأوساط السياسية العراقية بتصريحات عبرت عن مخاوف أميركية ناتجة عن توقعات متشائمة لاحتمال حصول تدهور أمني في المناطق المتنازع عليها مع الأكراد، مما يتطلب قيام الأمم المتحدة بإرسال قوات حفظ السلام الى العراق بعد انسحاب القوات الأميركية.
وعبر اوديرنو عن هذه المخاوف وهو يعايش عن كثب الاشتباكات بالسلاح بين وحدات الجيش العراقي المنتشرة في ديالى وكركوك ونينوى وبين قوات البشمركة الكردية (الأسايش) التي يعتبرها الأكراد جيش الدفاع عن كردستان.
فمنذ اكثر من ثلاث سنوات استمرت هذه المنازعات بين الطرفين في تلك المناطق المتنازع عليها التي يطالب الأكراد بضمها الى اقليم كردستان بما في ذلك مدينة كركوك التي يضعها الأكراد عاصمة لهم في خريطتهم الجغرافية والسياسية القادمة.
وقال اوديرنو امس ان احد الخيارات المطروحة كحل لفض الاشتباك بين الطرفين اذا لم يتحقق ضم البشمركة الكردية الى الجيش العراقي، هو نشر قوات لحفظ السلام في المناطق المتنازع عليها.
ومثل هذا الخيار الذي يرد على لسان قائد القوات الأميركية، انما يلمح الى ما ستكون عليه صورة العراق ما بعد انسحاب القوات الأميركية، التي هي الآن صمام امان -وفق رأيه- فهي تنتشر كقوة ثالثة وسطية بين الجيش العراقي والبشمركة في تلك المناطق، واصبحت صمام امان بين الطرفين وعاملا مهما لضبط العلاقة الأمنية بينهما.
وحينما تنسحب القوات الأميركية يعتقد اوديرنو ان عوامل النزاع تبقى ما لم تتم تسوية الخلافات بين العرب والأكراد من جهة، وبين التركمان والأكراد من جهة أخرى. ويعتقد ان اندماج البشمركة في الجيش العراقي هو جزء اساسي من هذا الحل.
وبرأي العديد من المراقبين ان العراق حتى بعد انسحاب القوات الأميركية فإنه يبقى تحت وصاية الأمم المتحدة ما لم تسارع المنظمة الدولية الى إخراجه من سلطة البند السابع وإعادة الاعتبار المستقل له في شؤون عديدة. اذ ان المعاهدة الأمنية بين بغداد وواشنطن التي نصت على انسحاب القوات الأميركية لا تزال غير كافية لإنهاء جميع العقوبات الدولية على العراق.
كما ان الانسحاب الأميركي مع بقاء مخلفاته من مشاكل طائفية واثنية في العراق من دون حسم يجعل هذا البلد عرضة لتدهور امني خطير لا تمكن مواجهته الا بأمرين، كما يتوقع الجنرال اوديرنو وهما: اما ان تطلب الحكومة العراقية قبل موعد الانسحاب مراجعة المعاهدة الأمنية وتعديلها لما يؤدي الى إبقاء قوات أميركية كافية لمواجهة أسوأ الاحتمالات، واما صرف النظر نهائيا عن الدور الأميركي واللجوء الى خيار قوات لحفظ السلام بقرار من مجلس الأمن يجيز دورها العسكري لحفظ السلام في العراق اذا تفجرت تلك المشاكل.
هذه التوقعات السيئة والمريبة لم تأت من فراغ. فالصراع السياسي حول موضوع تشكيل الحكومة هو انعكاس لعشرات القضايا الخلافية الدفينة والظاهرة بين المكونات السياسية والمذهبية التي هي باقية للآن من دون حلول.
واذا كان البعض يعتقد ان الدستور الآن يكفي لوضع حد لتداعيات تلك المشاكل فانه اعتقاد خاطئ. اذ ان الدستور هو احدى المشاكل الرئيسية وسط مطالبات كثيرة بتعديله. وخلاصة القول ان الكثير من الساسة العراقيين الذين استطلعت القبس آراءهم حول تلك التوقعات ينظرون نظرة تشاؤمية لمستقبل البلد بعد الانسحاب. فالوجود الأميركي في ظل تكاثر المشاكل اصبح بنظر الكثيرين مثل السمك مرغوبا ومذموما.