ماندلسون ينشر غسيل حزب العمال القذر قبل الأوان

لندن - إلياس نصرالله

منذ ظهور نتائج الانتخابات النيابية البريطانية في مايو الماضي، دخل حزب العمال في مرحلة جديدة من الصراعات الداخلية لم يعرف لها مثيلاً في السابق، وفاقت في شراستها كل المعارك السابقة بين الأجنحة المختلفة والمتنافسين على زعامة الحزب، الذي خسر السلطة بعد أن تربع على كرسي الحكم لأكثر من 12 عاماً متتالية، كما تبين أمس، من الوصف الذي قدمه أحد أركان الحزب الرئيسة اللورد بيتر ماندلسون، وزير التجارة السابق في حكومة رئيس الوزراء السابق غوردون براون.
ففي مذكراته الشخصية التي ستصدر قريباً والتي تقوم صحيفة laquo;التايمزraquo; وعدد من الصحف البريطانية بنشر فصول منتقاة منها، نشر ماندلسون laquo;الغسيل القذرraquo; لحزب العمال قبل الأوان، على نحو يزعج جميع المتنافسين على قيادة الحزب التي من المنتظر أن تحسم المعركة عليها في سبتمبر المقبل، خلال المؤتمر السنوي للحزب من أجل اختيار زعيم جديد بدلاً من براون، الذي يجري تحميله كامل المسؤولية عن الهزيمة التي لحقت بالحزب في الانتخابات الماضية. وليس سراً أنه رغم وجود أكثر من مرشح للفوز برئاسة الحزب، الا أن الصراع الدائر يقتصر على جناحين رئيسين، جناح بلير وجناح براون.
وصدرت الصحف البريطانية صباح أمس، بعناوين مثيرة بهذا الخصوص، حيث يتضح أن ماندلسون قال في مذكراته أن الصراع بين براون وبلير تخطى كل الحدود، اذ ان بلير اعتقد ان laquo;براون مجنون وسيئ وخطير ولا يمكن اصلاحهraquo;. ويكشف ماندلسون المحسوب على جناح بلير أنه شخصياً ساهم في عام 2003 بوضع laquo;خطة سريةraquo; مع عدد من المخلصين لبلير من أجل laquo;كسر ظهرraquo; حملة براون لخلافة بلير، بتجريده من عناصر قوته التي استند فيها على وزارة المالية، اذ اقترحت الخطة شق وزارة الخزانة الى قسمين وتشكيل وزارة اضافية بهدف اضعاف براون. الأمر الذي يثير ضجة واسعة لما لهذا الأمر من خطورة، اذ انه يكشف عن أن ادارة شؤون الدولة والبلد في عهد حزب العمال كانت تجري وفقاً لأهواء شخصية لا تمت بصلة الى المصلحة العامة.
ومما يثير غضب الأوساط السياسية من هذه الفضيحة الدور الذي لعبته هيئة الاذاعة والتلفزيون البريطانية الـ(بي بي سي) في هذه المعركة، اذ كشف ماندلسون أن جون بريت، المدير العام للهيئة، كان ضمن المجموعة التي وضعت الخطة السرية من خلال تسليط برامج الهيئة الضوء على التركيبة الحكومية لدى الادارة الأميركية، خاصة وزارة الخزانة، للترويج للخطة السرية.
يشار الى أن بلير اعترف شخصياً أنه وافق في عام 2003 على عدم ترشيح نفسه مرة ثالثة لرئاسة الوزراء والتنازل عنها لبراون، لكنه سرعان ما أخل بهذا الوعد وعاد فرشح نفسه للانتخابات في عام 2005 مستنداً في ذلك على التأييد الواسع له الذي يقوم ماندلسون بالكشف عن تفاصيله في مذكراته.
وتحدث ماندلسون بإسهاب عن الكيفية التي تدهورت فيها العلاقة بين بلير وبراون لدرجة أن بلير راح يتحدث بلهجة عدائية كلما ورد ذكر براون ووصفه بأنه يعمل تماماً مثل laquo;عراب المافياraquo;. ولم تقتصر المعركة فقط على بلير وبراون وشملت رموزاً أخرى في الحزب مثل نائب رئيس الوزراء السابق جون بريسكوت الذي قال ماندلسون انه كان laquo;يرتعبraquo; من براون وكثيراً ما قال بريسكوت عن براون انه laquo;يعرف بأن هناك خللاً ما فيهraquo;. ومضى في الحديث عن الكيفية التي نظر فيها بلير الى براون واعتباره اياه بأنه laquo;معطوب ولا أفق لديه ومصاب بالذعر منه (أي من بلير)raquo;.
ويروي ماندلسون أن براون جاء اليه وطلب منه أن يبلغ بلير أنه ينبغي به التنحي من رئاسة الوزراء لصالح براون. ويضيف أنه ذهب الى بلير وأبلغه الرسالة فاستشاط بلير غضباً وقال، وفقاً لماندلسون laquo;انه يشبه شخص يتحدر من عصابة مافيا. انه عدواني ووحشي... لا يمكن أن تجد مثيلاً لغوردون عندما يتحدث ببلاغة عن المبادئ الرفيعة، لكنه في الحياة العملية منحط الى أسفل دركraquo;. ويضيف أن بلير دائما كان يعتقد بأن براون مجنون وقد قال ذلك مراراً له، أي لماندلسون.
ولم ينته الصراع بين بلير وبراون مع تنحي بلير عن رئاسة الوزراء واستمر الى اليوم، وفقاً لماندلسون الذي يقول ان بلير حدثه عن لقاء جرى، بعد تنحيه عن المنصب، بينه وبين براون لبحث مسألة اصلاح نظام التقاعد فقال بلير laquo;كان أبشع لقاء حضرته في حياتي.. لم أواجه مثل هذه القباحة في حياتي. تلقيت تهديداً صريحاً وغير مبطنraquo;.
ولم يفوت ماندلسون المحسوب على جناح بلير الحديث عن خلافاته الشخصية مع براون، وقال ان براون غضب جداً عندما برَّأت لجنة التحقيق في فضيحة laquo;الأخوين هندوجاraquo; اللذين اتهم ماندلسون وبلير بمنحهما تسهيلات لقاء تبرعهما لحملة بلير الانتخابية، وروى أن بلير قال له عقب صدور تقرير لجنة هاموند للتحقيق laquo;غوردون يريد دفنك. هذا ما تمناه من تقرير هاموند. كان غاضباً جداً من النتيجةraquo;. وأضاف بلير laquo;غوردون لا يفكر سوى بشيء واحد. فقط يريد اسقاطي، لكنني أرفض أن أدفع دفعاًraquo;.