الياس حرفوش


باتت المفاوضات المباشرة بين اسرائيل والفلسطينيين هي الهدف الذي تسعى اليه ادارة الرئيس اوباما والعنوان الذي تبحث عنه لإعلان laquo;نجاحهاraquo; في حل نزاع الشرق الاوسط. وهكذا فبدل ان يركز النقاش الجاري بين واشنطن وتل ابيب ورام الله على مضمون المفاوضات وما يجب ان تتوصل اليه من اجل ارساء السلام العادل والشامل (وهي العبارة التي صارت فارغة من اي معنى)، فقد بات النقاش قائماً حول ما اذا كان المفاوض الرئاسي جورج ميتشل، المنكوب الحظ بهذه المهمّة، سيجلس مع الطرفين في غرف منفصلة ام في غرفة واحدة!

لقد نجحت هذه الادارة الاميركية في ايهام نفسها بأن المفاوضات التقريبية (proximity talks) التي تمت ترجمتها بأنها مفاوضات غير مباشرة، كانت laquo;الهديةraquo; او التنازل الذي قدمته الى الفلسطينيين، في مقابل موافقة نتانياهو على تجميد الاستيطان في الضفة الغربية لفترة عشرة شهور (تنتهي في 26 ايلول/سبتمبر المقبل). لكن كل ما تسرب عن الجولات التي قام بها ميتشل يشير الى انها لم تحقق شيئاً يزيد من فرص السلام، بل على العكس ساعدت في ابراز مدى اتساع الهوة بين مواقف الفلسطينيين والحكومة الاسرائيلية. والسبب هو استمرار الاستيطان اليهودي في القدس وامتداده بشكل استفزازي واضح الى احياء عربية لم يصلها من قبل، والشكوك الفلسطينية في نية هذه الحكومة الاسرائيلية في تحقيق الحد الادنى من متطلبات السلام. لكن السبب الاهم لفشل المفاوضات التقريبية هو وقوف اوباما مكتوف اليدين امام الاعتداء الاسرائيلي المستمر على فرصة تحقيق السلام، واعلانه منذ الايام الاولى لانطلاق هذه المفاوضات انه بالغ في تقدير فرص نجاح الدور الاميركي. لكنه لو كان صادقاً لاعترف بأن السبب الاساسي لفشل هذه المفاوضات في احراز اي تقدم يعود الى عجزه عن فرض الشروط الضرورية للسلام على الجانب الاسرائيلي، باعتباره الطرف الذي يسيطر على الارض التي يشكل الانسحاب منها الشرط البديهي لقيام الدولة الفلسطينية الموعودة.

بانحيازه الى الموقف الاسرائيلي المصرّ منذ البداية على المفاوضات المباشرة قبل تحقيق اي تقدم في المفاوضات الجارية حالياً، يكون اوباما قد خلع عن جسده كل اوراق الحياد حيال النزاع واحاط نفسه بالكامل بالزي الاسرائيلي. ومشكلة الفلسطينيين والعرب معه حيال مطالبته اياهم بالجلوس وجهاً الى وجه مع نتانياهو انه يبيعهم اوهاماً، من نوع ان المفاوضات ستفضي الى نتائج حقيقية قبل نهاية ولايته، او ان رئيس حكومة اسرائيل مستعد لتقديم laquo;تنازلات مؤلمةraquo; في سبيل تحقيق السلام. وعندما يسمع العرب اوباما يتحدث عن نتانياهو بهذه الطريقة، بعدما قيل عن خلافات سابقة بين الرجلين بسبب سياسة نتانياهو الاستيطانية، لا يسعهم الا تذكّر حديث جورج بوش الابن عن ارييل شارون الذي كان يصفه بانه laquo;رجل سلامraquo;. على الاقل كان العمى الايديولوجي في رأس بوش يدفعه الى الاقتناع بصحة ما يقوله عن شارون، لكن ما في رأس اوباما هو مجرد انتهازية سياسية وانتخابية رخيصة، ليس امام الفلسطينيين والعرب سوى مواجهتها، كي لا يدفعوا من جيوبهم ثمن هذا الالتفاف الاميركي الفاضح على شروط تحقيق السلام ومستلزماته.

لا شك ان نتانياهو نجح خلال الشهور الماضية في نقل كرة الخلاف مع اوباما من الملعب الاسرائيلي الى الملعب الفلسطيني والعربي. وجعل رفض الفلسطينيين للمفاوضات المباشرة يبدو وكأنه رفض من جانبهم لتحقيق السلام. في مواجهة هذا الابتزاز لا بد من موقف فلسطيني موحد، يجب ان يبدأ بانهاء انقسام الفلسطينيين المعيب في وجه التحديات التي تواجههم. اما العرب الذين دعموا المفاوضات التقريبية او غير المباشرة بشروط ونتيجة ضمانات اميركية، فمن واجبهم الآن دعم الموقف الفلسطيني والاصرار على دور اميركي حازم تجاه سياسة نتانياهو ... او مطالبة اميركا بسحب وساطتها التي اصبحت اكثر خطراً على عملية السلام من السياسات الاسرائيلية نفسها