خيرالله خيرالله

ما يدعو الى طرح هذا السؤال انه بعد سبع سنوات على الغزو الاميركي للعراق، بدأت تظهر بداية نتائج ما يمكن وصفه بالزلزال العراقي بكل ابعاده الاقليمية. ربما كانت النتيجة الاولى للزلزال ما يجري في العراق نفسه حيث لا حكومة بعد مضي ما يزيد على اربعة اشهر ونصف شهر على اجراء الانتخابات. ما نشهده حاليا هو غياب القدرة على ادارة اللعبة السياسية في العراق، او على الاصح على ايجاد لعبة سياسية جديدة تمارس عن طريق المؤسسات، على راسها مجلس النواب المنتخب. حصلت انتخابات. صوت العراقيون بطريقة تؤكد انهم يريدون التخلص من الاحزاب الدينية والمذهبية وان طموح الاكثرية يتمثل في اعادة الحياة الى العراق كوطن لكل العراقيين من دون تمييز بينهم بسبب الدين او المذهب او القومية او المنطقة.
المؤسف انه لم يحصل طلاق مع الماضي. الماساة العراقية تتكرر كل يوم. انتهى النظام العائلي - البعثي الذي اقامه صدّام حسين،وهو نظام غير مأسوف عليه، فحلت مكانه الفوضى. انها دولة بلا مؤسسات ذات هوية وطنية غير معروفة او محددة باي شكل من الاشكال. هل هناك من يستطيع القول اليوم ما هو العراق؟ هل هناك ما يضمن عدم تقسيم العراق يوما؟ هل هناك من يستطيع ان يحدد من يحكم العراق باستثناء ان كل حزب من الاحزاب الكبيرة يتحكم بجزء من القرار العراقي وان همّ كل حزب المحافظة على المكاسب التي حققها او المواقع التي يوجد فيها رجاله. يبدو ان مواقع معينة مثل رئاسة مجلس الوزراء مثلا صارت مسجلة لدى الدوائر العراقية باسم حزب معين او طائفة معينة او مذهب معين او حتى شخص معين لم يعد يجد معنى للحياة في حال كان خارج هذا الموقع.
اعتقد الاميركيون في مرحلة ما ان العراق سيكون نموذجا لدولة ديموقراطية في الشرق الاوسط يعيش المواطنون فيها في ظل القانون. يكتشف الاميركيون الآن بعد اكثر من سبع سنوات على دخولهم بغداد وقلب صدّام ان ليست لديهم حتى القدرة على اجبار العراقيين على تشكيل حكومة.
زال النفوذ الاميركي على الرغم من ان آلاف الجنود ما زالو ا مرابطين في مناطق عراقية مختلفة ويشكلون قوات فصل بين العراقيين. جاء جو بايدن نائب الرئيس الاميركي الى بغداد وعاد منها بخفي حنين. لم يحقق اي تقدم على صعيد تشكيل حكومة جديدة. في حال تشكلت مثل هذه الحكومة سيكون الفضل في ذلك لقوة اقليمية اخرى تنافس الولايات المتحدة على ممارسة النفوذ في العراق. اسم هذه القوة ايران التي لم تعد تخفي انها تمتلك القرار العراقي وتتحكم بمفاصل الحياة السياسية في البلد ...
لماذا الحديث عن الزلزال العراقي في مكانه؟ الجواب بكل بساطة ان الطريقة التي استخدمها الاميركيون لاحداث التغيير في العراق كشفت انهم يريدون اعادة رسم خريطة المنطقة وليس فقط التخلص من نظام quot;المقابر الجماعيةquot; الذي قضى على النسيج الاجتماعي للمجتمع استكمالا لجريمة اغتيال افرار العائلة في انقلاب الرابع عشر من يوليو 1958. فجر الاميركيون كل الغرائز المذهبية والطائفية الناجمة عن نصف قرن تقريبا من الاحقاد المكبوتة. حتى صدّام لم يلق محاكمة عادلة. اُعدم الرئيس العراقي السابق وبعده اخوه برزان لاسباب لا علاقة لها بالعدل والعدالة. كان في الامكان ترك مواطنين عراقيين يلاحقون الديكتاتور قضائيا وكشف جرائمه بدل اعدامه مبكرا في قضية مثيرة للجدل تخص حزبا مذهبيا اراد الانتقام ولا شيء آخر غير الانتقام.
في تبريره للغزو الاميركي للعراق، قال وزير الخارجية الاميركي كولن باول في مرحلة الاعداد للحرب ان بلاده تنوي quot;اعادة تشكيل المنطقةquot;. هناك بالفعل اعادة تشكيل للمنطقة. هناك نواة لدولة كردية شمال العراق وهناك مشاكل بين الاكراد وتركيا وهناك مشاكل داخل ايران نفسها مع اهل السنّة كان آخر دليل عليها التفجيرات في زهدان التي اوقعت الاسبوع الماضي عشرات القتلى والجرحى. باختصار، ان كل المنطقة القريبة من العراق تبدو مقبلة على تطورات في غاية الخطورة في الاشهر القليلة المقبلة. يحصل ذلك في وقت يقدم الاميركيون في العراق على عمل احمق آخر من نوع تسليم طارق عزيز نائب رئيس الوزراء السابق الى الحكومة الحالية وكأن المطلوب تنفيذ الاعدام برجل اعزل لم يمتلك يوما اي سلطة فعلية في العراق ذنبه الوحيد انه مسيحي لا وجود لمن يستطيع الدفاع عنه في هذا العالم الخالي، الى اشعار آخر، من اي صوت يقول كلمة حق في وجه ظالم!
ما يمكن ان يشكل بالفعل مصدر مزيد من القلق بالنسبة الى مستقبل المنطقة ان الخلل الذي تسبب به الوضع العراقي ادخل الشرق الاوسط في حال من اللاتوازن. فقد النظام الاقليمي الذي قام عليه الشرق الاوسط منذ العشرينات من القرن الماضي، اي منذ تسعة عقود احد اعمدته الاساسية. ان حال اللاتوازن السائدة تفسر الى حدّ كبير هذا الغياب العربي عن كل المواضيع الاساسية المطروحة بدءا بالسودان الذي يسير بثبات في اتجاه التقسيم، في احسن الاحوال، وانتهاء بالرفض الاسرائيلي لأي تسوية شبه معقولة وعادلة تستند الى الشرعية الدولية او ما بقي منها تعيد للشعب الفلسطيني بعض حقوقه المشروعة. يبدو طبيعيا ان تسعى اسرائيل الى تكريس احتلالها لجزء من الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، ما دام العرب في حال من الضياع ليس معروفا هل سيخرجون منها.
لا يزال المسلسل العراقي في بدايته. شيئا فشيئا ستتكشف امور كثيرة في غير مكان من المنطقة. من بين هذه الامور ان الشرق الاوسط الذي عرفناه قبل الحرب الاميركية على العراق في العام 2003 لا علاقة له بالشرق الاوسط الجديد الذي لم تتبلور معالمه بعد. من قال ان الولايات المتحدة لا تريد شرق اوسط جديدا؟