سمير عطا الله


لم أتوصل، حتى الآن، إلى طريقة مجدية في قراءة كتاب laquo;بعثيون من العراق، كما عرفتهمraquo; للمحامي اللبناني جهاد كرم، الذي عمل سفيرا للعراق لدى البرازيل والهند. في القراءة الأولى، تبين لي أن الصديق العزيز يتحدث عن مجموعة من الطاهرين والأنقياء وأطفال لا يكبرون. فلا كلمة نقد في أحد. ولا اعتراض على سلوك، حتى في الحديث عن ناظم كزار وسعدون شاكر وبرزان التكريتي. لكن في القراءة الثانية تبين لي أن عددا ضئيلا جدا من نحو 200 حزبي، لم يتعرض للسجن أو النفي أو أن يرسل معلم مدرسة في قرية نائمة، كما في حال محمد سعيد الصحاف. وفي القراءة الثالثة لاحظت عدد الرفاق الذين أعدموا بالرصاص، إما رسميا في باحات السجون، أو برصاصة من الخلف، كما حدث لعبد الكريم الشيخلي، الذي أصر على انتقاد صدام حسين رغم التحذيرات، متكلا على أنه كان صديقه ورفيقة الأقرب.

وفي القراءة الرابعة تبين أن المؤلف لن يتعرض إلى أحد بنقد، لأنه لا يملك laquo;الوثائق لإدانة أحدraquo;. يملك فقط المعلومات الطيبة، أو المريرة أحيانا. وخلال السنوات الأربعين الماضية لم أسمع جهاد كرم ينتقد أحدا، ولذا لم أتوقع أن أقرأه ينتقد أحدا. وقد فوجئت ببعض النقد غير المباشر لعلي صالح السعدي. ربما، لأنه كان منذ البداية ضد صدام حسين ويريد إبعاده عن الحزب. لكن حتى في نقده لصاحب القول المأثور laquo;اسحقوهم حتى العظمraquo; لم يأت إلا على ذكر ما يعرفه الجميع عن السعدي. في بعض تصرفاته وسلوكه.

يبدو مدى الوفاء الذي أظهره جهاد كرم للرفاق القدامى، غريبا في تقاليد السياسيين العرب. جميع من يتحدث عنهم لم يعد في السلطة وبعضهم لم يعد في الوجود. وكما انتهى البعث في العراق إلى مأساته، انتهى جهاد كرم، مثل كثيرين من سفرائه، إلى حالة قريبا من البؤس المادي. لكنه يرفض إلا أن يدفع بشهادة طيبة في حق الرفاق.

في مجمله، يبدو كتاب جهاد كرم (صادر عن الدار العربية للعلوم)، عرضا، أو صالة عرض، للوحات من تاريخ مضى، لكنه في ذاكرة الجميع. والذين يعرفون المؤلف يعرفون سلفا أنه سوف يعثر على كلمات حسنة يوزعها حتى على الذين اشتهروا بالفظاظة والدماء. ومن أجل ألا يتخلى عن سمعته وأدبياته، لقي دائما الأعذار، سواء للذين قتلوا بضم القاف، أو للذين قتلوا بفتحها!