Robert Worth - NY Times


يرى بعض المحللين أن 'حزب الله' يتخذ موقف الدفاع لأسباب تتخطى المحكمة الدولية، فقد تنامت خلال الأشهر الأخيرة المخاوف من حرب أخرى مع إسرائيل غذتها تقارير عن أن 'حزب الله' حصل على صواريخ سكود من سورية.

طوال أكثر من خمس سنوات، بدا أن معظم الحياة السياسية اللبنانية تدور حول سؤال واحد: مَن قتل رفيق الحريري؟ فبقيت لسنوات اللافتات التي تحمل صورة رئيس الوزراء السابق (قُتل في انفجار سيارة مفخخة في بيروت عام 2005) منتشرة في المدينة، وقد حملت عبارة 'الحقيقة... من أجل لبنان'.

عقب عملية الاغتيال هذه، أُسست برعاية الأمم المتحدة محكمة دولية، واعتقدت شريحة كبيرة من اللبنانيين أن إدانة مسؤولين سوريين بارزين، ظن كثيرون أنهم المذنبون، قد تساهم في حماية سيادة لبنان.

ولكن في الأسابيع الأخيرة، ظهر إجماع في لبنان (بسبب بعض التسريبات، حسبما يُفترض) على أن المحكمة ستوجه عما قريب تهماً إلى أعضاء من 'حزب الله'، حركة شيعية مقاومة، لتورطهم في عملية الاغتيال. بدأت هذه التهم، التي تناولتها الشائعات منذ السنة الماضية، تزيد التوتر في لبنان، حتى أن البعض يخشون أن تُشعل صراعاً داخلياً دموياً آخر بين 'حزب الله' وخصومه الموالين للغرب، صراعاً شبيهاً بما شهدناه في شهر مايو عام 2008.

يبقى 'حزب الله' المتحالف مع سورية القوة السياسية والعسكرية الأكثر نفوذاً داخل لبنان، وقد أوضح قائده حسن نصرالله أنه لن يقبل بأي إدانة لأعضاء من 'حزب الله'، كذلك حضّ السلطات اللبنانية على أن تحذو حذوه، لكن المحكمة، التي تتخذ من هولندا مقراً لها، لم تُصدر أي بيان بشأن تهم محتملة.

في خطاب ألقاه نصرالله في السادس عشر من يوليو، اعتبر المحكمة جزءاً من المؤامرة الإسرائيلية، فأثار وصفه هذا استياء بعض الشخصيات السياسية اللبنانية الموالية للغرب، التي أكدت أن تعليقات نصرالله توازي إقراراً بالذنب.

ويوم الخميس الماضي، عقد نصرالله مؤتمراً صحافياً مميزاً قال فيه إنه يعرف أن المحكمة ستوجه عما قريب تهماً لأعضاء من 'حزب الله'، وذكر أن ابن الحريري نفسه، رئيس الوزراء الراهن سعد الحريري، أخبره بذلك، وأضاف أن سعد الحريري قد سامحه مسبقاً، معلناً أن الرجال الذين سيُتهمون أعضاء 'غير منضبطين' في الحزب تجمعهم به علاقات ضعيفة.

من الواضح أن نصرالله أمل أن يقطع الطريق على أي إدانة، لا من خلال إعلانه الخبر مسبقاً فحسب، بل أيضاً بتحدثه عن سعد الحريري الذي لطالما كان داعم المحكمة الرئيسي، ويظن بعض المحللين أن مناورة نصرالله قد تنجح لأن موقف الحريري السياسي قد تبدل.

بعد موت والده في عام 2005، ظهر الحريري كقائد لائتلاف سياسي مناهض لسورية دعا إلى نزع سلاح 'حزب الله'، لكن هذه الحركة، التي عُرفت بقوى 14 آذار (تاريخ تظاهرة كبيرة ضد سورية في عام 2005)، تراجعت تدريجياً مع تحوّل حلفائها الغربيين نحو التحاور مع سورية، وبعد أن صار الحريري رئيس حكومة وحدة وطنية السنة الماضية، استسلم للواقع السياسي وبدأ ببناء علاقة مع دمشق.

في الوقت عينه، سكتت أصوات المحكمة، التي أصدرت قبل فترة تقارير تشير إلى تورط مسؤولين سوريين رفيعي المستوى في مقتل رفيق الحريري، كذلك انسحب بعض شهودها، وظهر المزيد من الأسئلة عن هذه المحكمة السنة الماضية، بعدما أطلق قاضٍ سراح أربعة مسؤولين أمنيين حكوميين رفيعي الشأن كانوا قد أوقفوا طوال أربع سنوات في قضية اغتيال الحريري، إلا أنهم لم يُتهموا، فاعتقد البعض أن جهة الادعاء في المحكمة ستوجه إصبع الاتهام إلى أعضاء من 'حزب الله' لتورطهم في عملية الاغتيال، لأنها لم تتمكن من العثور على أدلة كافية تدين المجرمين الأساسيين.

كان صمت الحريري لافتاً يوم الجمعة، ويوم السبت، أدلى بخطاب شدد فيه على الحاجة إلى الحفاظ على الوحدة الوطنية وعلاقات أفضل مع سورية.

يذكر إلياس مهنا، كاتب مدونة 'قفا نبكي' السياسية اللبنانية: 'شكّلت المحكمة ورقة قد تُلعب ضد سورية، ولكن يبدو اليوم أنهم يحاولون التخلص منها. نشعر كما لو أنهم ما عادوا يريدون معرفة مَن قتل الحريري'.

على الرغم من ذلك، يؤكد بعض المحللين أن توجيه التهم إلى أعضاء من 'حزب الله' قد يلحق الأذى بسمعة هذه المجموعة، ويذكر سركيس نعوم، كاتب في صحيفة 'النهار' اليومية اللبنانية التي تدعم ائتلاف 14 آذار، أنه عندما يقال في هذا الجزء من العالم إن هذا الشخص مشتبه فيه، ويرفض 'حزب الله' تسليمه، سيظن الجميع أن 'حزب الله' مذنب.

كذلك يشير نعوم إلى أن لهجة نصرالله في خطاب يوم الخميس كانت أكثر هدوءاً مقارنة بخطاباته السابقة، إلا أن رسالته بدت أكثر عدائية، فقد طالب نصرالله ائتلاف 14 آذار بالإقرار بالأخطاء التي ارتكبها في السنوات الأخيرة.

يوضح بعض المحللين أن 'حزب الله' يتخذ موقف الدفاع لأسباب تتخطى المحكمة الدولية، فقد تنامت خلال الأشهر الأخيرة المخاوف من حرب أخرى مع إسرائيل غذتها تقارير عن أن 'حزب الله' حصل على صواريخ سكود من سورية، فضلاً عن الطموحات النووية لإيران، راعي 'حزب الله' الرئيسي. يعي نصرالله أن لبنانيين كثراً سيلومون 'حزب الله' على الخراب الذي ستخلفه هذه الحرب، ولا شك أن ذلك سيكون له تأثيرات سلبية كبيرة، فلا يزال البلد في طور التعافي من حرب 'حزب الله' في يوليو عام 2006 ضد إسرائيل. نتيجة لذلك، تكون حاجة نصرالله إلى تشويه صورة المحكمة وحماية سمعة 'حزب الله' من أي تهم محتملة الأكثر إلحاحاً.