خيرالله خيرالله

بالنسبة إلى الأمين العام لـ laquo;حزب اللهraquo; السيد حسن نصرالله، يظهر أن القرار الظني في قضية استشهاد الرئيس رفيق الحريري صدر... قبل أن يصدر. فحوى القرار، من وجهة نظر الأمين العام للحزب، أن لا علاقة للنظام السوري بجريمة اغتيال الرئيس الحريري، وأن الاتجاه إلى توجيه اتهامات إلى عناصر من laquo;حزب اللهraquo;. وهذا أمر لا يمكن القبول به، أقله من وجهة نظره.
يطرح الكلام الأخير للأمين العام للحزب سلسلة من الأسئلة. هل يستهدف هذا النوع من الكلام إخراج المحكمة الدولية عن صمتها وكشف أوراقها، من قال أن لا علاقة من بعيد أو قريب لعناصر سورية ما بالجريمة، لماذا هذا الاستباق لنتائج التحقيق والسعي في الوقت ذاته، عبر سؤال غير بريء طرح على السيد نصرالله، إلى تمرير رسالة تتضمن دعوة إلى التعاطي مع laquo;حزب اللهraquo; بالطريقة نفسها التي جرى التعاطي بها مع النظام في سورية، أي أن ما ينطبق على النظام السوري يجب أن ينطبق أيضاً على laquo;حزب اللهraquo;؟
على هامش المداخلتين الأخيرتين للسيد نصرالله، لابدّ من الإشارة إلى أن كلامه كان حافلاً بالتهديدات المبطنة إلى اللبنانيين، مع إشادة بالتحول الذي قام به الزعيم الدرزي السيد وليد جنبلاط الذي خرج من صفوف الرابع عشر من مارس واستسلم لـlaquo;حزب اللهraquo; ولسورية لأسباب خاصة به.
يبدو مطلوباً من اللبنانيين الآخرين أن يحذوا حذو جنبلاط الذي يمكن تفهم مواقفه، من دون فهم طريقة تصرفه التي تتسم بمقدار كبير من العشوائية والاستخفاف بالآخر، وذلك في ضوء ما تعرضت له طائفته الصغيرة على يد ميليشيا laquo;حزب اللهraquo; في مطلع مايو من العام 2008. بالنسبة إلى الزعيم الدرزي، الذي كان إلى ما قبل فترة قصيرة زعيماً وطنياً، الأولوية هي لحماية الطائفة مهما بلغ الثمن السياسي والمعنوي. لا هاجس لدى وليد جنبلاط سوى ألا يكتب التاريخ يوماً أن الدروز هُجروا من جبل لبنان في أيام وليد كمال جنبلاط.
بالنسبة إلى حسن نصرالله، يمثل وليد جنبلاط المثل الأعلى الذي يفترض بالطوائف اللبنانية الأخرى السير على خطاه. ربما على السيّد نصرالله أن يعيد حساباته في هذا المجال لسبب واحد على الأقل. في أساس هذا السبب أن السنّة في لبنان ليسوا طائفة صغيرة خائفة على مستقبلها مثل الدروز. وذلك ليس عائداً إلى أن عدد أبناء الطائفة يتساوى مع عدد أبناء الطائفة الشيعية، وربما يزيد عنه، فحسب. بل إنه عائد أيضاً إلى الانتشار السني في لبنان، خصوصاً في المدن الكبرى وإقليم الخروب في الشوف وعكّار في الشمال.
كذلك، يفترض في الأمين العام لـ laquo;حزب اللهraquo; أن يأخذ في الاعتبار أيضاً أن المسيحيين في لبنان ليسوا على شاكلة النائب ميشال عون الذي ليس في نهاية المطاف سوى أداة لا تريد أن تتعلم من دروس الماضي القريب. أهم هذه الدروس أن كل سلاح خارج سلاح سلطة الشرعية اللبنانية، أكان فلسطينياً أو إيرانياً أو سورياً... أو لبنانياً، ليس سوى سلاح في خدمة إسرائيل. لا لشيء سوى لأنّ مثل هذا السلاح يصب في خدمة ضرب مؤسسات الدولة اللبنانية التي يمكن أن تسهل عملية بناء سياسة واقعية وعاقلة في الإطار العربي، تحظى باجماع كل الطوائف والمناطق والفئات الاجتماعية، سياسة تحافظ على مصالح لبنان واللبنانيين ومستقبل ابنائهم في وجه أي أطماع أياً كان مصدرها.
هذا ما يفسر إشادة حسن نصرالله بميشال عون الذي هجّر، عندما كان في قصر بعبدا بين العامين 1988 و1990 أكبر عدد ممكن من اللبنانيين، خصوصاً المسيحيين منهم، من لبنان. كل ما يفعله ميشال عون حالياً، هو متابعة التحريض على مؤسسات الدولة اللبنانية تعبيراً عن أحقاد قديمة لضابط احترف الفشل لم ينتصر في أي معركة في حياته باستثناء تلك المعركة التي يشنها على مؤسسات الدولة اللبنانية بهدف إضعافها.
ولكن ما الذي يريده الأمين العام لـ laquo;حزب اللهraquo; في نهاية المطاف؟ من يتمعن في مداخلتيه الأخيرتين يكتشف أن همه الأول يتمثل في إجبار الدولة اللبنانية بكل مؤسساتها على التبرؤ من المحكمة الدولية، واتهام إسرائيل بجريمة اغتيال رفيق الحريري ورفاقه، وبالجرائم الأخرى التي تلتها والتي لم يأت السيد حسن على أي ذكر لها، علماً أنها استهدفت أشرف اللبنانيين العرب.
من يدعو شعب الرابع عشر من مارس إلى الانقلاب على قياداته إنما لا يعرف أن المواطن اللبناني من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب أفضل من قياداته وهو متقدم عليها من ناحية استيعاب الخطورة التي يشكلها سلاح laquo;حزب اللهraquo; على مؤسسات الدولة اللبنانية، وعلى ثقافة الحياة في لبنان. وهذا الأمر لا يقتصر على المسيحيين والسنة فقط، بل يشمل الدروز والشيعة الذين أظهروا في مناسبة الانتخابات البلدية الأخيرة أنهم على رأس المتعلقين بثقافة الحياة والرافضين لما يمثله laquo;حزب اللهraquo; وتوابعه المعروفين وغير المعروفين.
كل ما في الأمر، في حال المطلوب اختصار المشهد اللبناني، أن الذين اغتالوا رفيق الحريري اخطأوا في حساباتهم. كانوا يعتقدون أن الجريمة ستمر مثل غيرها من الجرائم التي بدأت باغتيال كمال جنبلاط وصولاً إلى تفجير الرئيس رينيه معوّض. ظن هؤلاء أنه يكفي تنظيف مسرح الجريمة، وهذا ما طلبه إميل لحود في مجلس الوزراء بحجة أن الناس يجب أن تنصرف إلى أعمالها، كي ينسى اللبنانيون ما حصل. هنا كانت بداية الخطأ في الحسابات. لم تنفع كل المحاولات التي بذلت منذ العام 2005 في تغطية الجريمة. مطلوب الآن من لبنان كله، بدءاً بحكومة سعد الدين رفيق الحريري، المشاركة في هذه التغطية... وإلاّ تعود الحرب الاهلية. مرة أخرى أنها حسابات خاطئة، تماماً مثل حسابات تظاهرة الثامن من مارس 2005 التي كان هدفها إخافة اللبنانيين وإرهابهم. كان الرد في الرابع عشر من مارس وبسلسلة من المواقف وصولاً إلى الانتخابات النيابية الأخيرة قبل ثلاثة عشر شهراً.
مهما قيل ويقال، ورغم كل الضغوط المتنوعة التي يتعرض لها رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري لن يستسلم اللبنانيون أمام الحسابات الخاطئة... صمدوا في الماضي. لماذا لا يصمدون ويتابعون مقاومتهم الآن؟