خالص جلبي

كثر الحديث مع صيف عام 2010 عن السلاح النووي الإيراني، وأذكر جملة معبرة من وزير الإعلام اللبناني غازي العريضي، حين كنا في مؤتمر في أبو ظبي أنه قال: اعتبروا أن السلاح النووي الإيراني تحصيل حاصل وهو موجود، وهو نفس الشعور الممض الذي يراودني حول استنساخ البشر وتم السكوت عنه، ففي قناعتي ـ غير المبرهنة ـ أظن أن السلاح النووي الإيراني انتهت صناعته، ومسألة تجريبه مسألة تكتيكية ومسألة وقت لا أكثر؛ فنسمع دوي الجبال من بحر قزوين وأرارات.
وكذلك قصة الإنسان المستنسخ؛ فهو موجود ولكنه تحت التجربة، كما جرى الحال مع النعجة دولي، ثم تخلصوا منها لأنها أثبتت أنها نسخة سيئة الصنع؛ فقتلوها حقنا بالبوتاسيوم؟ فهم لا يريدون تكرار الغلط مع نسخة البشر؟
وحول السلاح النووي يتساءل (فؤاد زكريا) في كتابه (خطاب إلى العقل العربي) عن مغزى صناعة القنابل النووية لسلاح لن يستخدم؟
لماذا إذن صناعة هذه اللعب المميتة المكلفة؟ وينطبق هذا الكلام على إسرائيل وإيران وباكستان والهند وأمريكا.
والمشكلة بين المفاعل النووي والقنبلة النووية شعرة؛ فبدل مد مدينة بالطاقة لمدة عام يتم تفجيرها في واحد من مليون بالثانية في قنبلة نووية مجنونة! بكلمة أدق بيد مجانين!
وصدام كان يسيل لعابه لامتلاك السلاح النووي، ولكنه لو امتلكه ومسح به إسرائيل من الوجود، لم يكن ليمسح مشاكل العرب أو مشاكل العراق؟ ولو خسف الله الأرض بإسرائيل ما انتهت مشاكل العرب وتفرقهم ونزاعاتهم وبقيت حدود المغرب والجزائر مغلقة بأشد من سحاب البنطال بدون مرور نملة ويعسوب.
وإسرائيل أصبحت قوة نووية منذ عام 1967 بصناعة غربية، ولكن لماذا امتلكت مئات الرؤوس النووية، ويكفيها عشرة لدك العواصم العربية بعد أن انضغطت الدول العربية إلى عواصم؟
فهل هي لضرب ألمانيا يوم الفزع الأكبر انتقاما للهولوكوست؟
و(جورباتشوف) في كتابه (البروستريكا) أشار إلى أن عصر الغابة والهراوة غير العصر النووي ويحتاج إلى انقلاب نوعي في التفكير.
أما (مالك بن نبي) فقد وصل إلى هذه الحقيقة مع (آيزنهاور) الرئيس الأمريكي أن القوة ألغت القوة وأن حل مشاكل العالم بالقوة لن يبق عالما وقوة.
وهو ما يخافه (عالم الكبار) أن ينتقل اللعبة إلى أيدي الصغار.
والحروب القائمة اليوم هي ليست بين الدول بالدرجة الأولى بل تحولت مع القرن الواحد والعشرين إلى ما يسمى (الحروب الموازية) أي الحرب على إرهاب هلامي ليس له شكل.
وحسب (فيكتور فيرنر) في كتابه (الخوف الكبير) أن (طبيعة الحرب) تغيرت نوعياً فأصبحت تذكر بقصص جوناثان سويفت عن عالم (جوليفر) وليلي بوت؟ فيتجول رجل عملاق بطول 200 متر وزنة 300 طن، فهو وإن كان على صورة البشر ولكن لم يبق بشرا وكذلك الحرب لم تبق حربا.
وهذا هو السر في انتهاء كل أنواع الحروب في الشمال الغربي، فهم يجتمعون سواسية عباد الله إخوانا في وحدة أوروبية، بعد أن خاضوا الحروب الدينية والقومية والعالمية.
والغبش الذي يضبب هذه الصورة هو بعض الحرائق التي تشتعل هنا وهناك سواء بين المتخلفين أو لتأديب المتخلفين.
والشيء الأكيد أن (الكبار) الذين يمتلكون تقنية السلاح النووي في الشمال قد كفوا عن حل مشاكلهم بالقوة لشعورهم أن القوة لا تحل المشاكل بل تخلقها ولذا فهم يتحاورون.
أما نحن فمازلنا نردد مع شاعرنا العظيم؛ السيف أصدق أنباء من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب؟