سليمان تقي الدين

قمتا دمشق وبيروت تشكلان حدثاً استثنائياً تأسيسياً لمرحلة جديدة من العلاقات العربية . قد يستنتج البعض أنهما محاولة لصياغة نظام إقليمي عربي، لكن غياب مصر عن هذا التفاهم السوري السعودي لا يسمح بالقول إن الدول العربية القائدة قد استعادت تعاونها وهي ستجذب كل الموقف العربي نحوها . غير أن ذلك لا يقلّل من أهمية الحدث الذي بدأ بقمة دمشق السورية السعودية والحوار الطويل الذي دار فيها والبيان المشترك الذي صدر عنها .

تضمن البيان السوري السعودي تفاهماً واضحاً على معالجة الملف العراقي في إطار المصالحة الوطنية الشاملة ووحدة العراق وعروبته .

وفي الملف الفلسطيني، أكد الطرفان أهمية المصالحة الوطنية ورفع الحصار عن ldquo;غزةrdquo; وضرورة وقف الاستيطان ووقف تهويد القدس والضفة . أما بالنسبة للبنان فكان الحرص على الاستقرار وحكومة الوحدة الوطنية واجتناب المصالح الفئوية، ودعم موقف لبنان ضد التهديدات الصهيونية . ولأن هذه التفاهمات أتت بعد جولة للملك السعودي عبدالله، بدأت في مصر، يفهم منها أن المملكة العربية السعودية جادة في إعادة بناء التضامن العربي واستبعاد عناصر الخلاف الثانوية التي تتعلق بتحالفات بعض الدول وسياساتها الخاصة . ومن الواضح أن المملكة العربية السعودية ترغب في إعطاء فرصة جديدة لمفاوضات السلام على المسار الفلسطيني وتريد تأمين بيئة عربية ملائمة، هذا ما أكده أمين عام جامعة الدول العربية حين أعلن عن وجود التزامات أمريكية من دون أن يوضح طبيعتها . وكان لافتاً أن الناطق الرسمي الأمريكي (كراولي) قد خاطب سوريا ودعاها إلى الاستماع جيداً للملك السعودي . على أي حال انتقل التفاهم السوري السعودي من دمشق إلى بيروت في قمة طارئة وعملية تم اختصار إجراءاتها البروتوكولية لصالح إرساء تفاهم يهدف إلى وقف التصعيد السياسي وتدارك الأزمة الوطنية التي بدأت تتفاقم مع التسريبات عن القرار الاتهامي الذي يمكن أن يصدر عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري . ولولا التفاهم المسبق على معالجة هذا الأمر لما تمت هذه الزيارة الثنائية، ولما حصلت هذه المشاورات، ولما صدر البيان الذي يؤكد حرص الأطراف جميعاً على الاستقرار والوحدة الوطنية .

لم تتوضح وسائل المعالجة، لكن الالتزام بها كان قوياً، وفهم على الأقل أن القرار الاتهامي الموجه إلى ldquo;حزب اللهrdquo; سيؤجل صدوره . قد يكون من الصعب تعطيل المحكمة الخاصة التي صار قرارها بيد ldquo;المجتمع الدوليrdquo; وrdquo;الأمم المتحدةrdquo; . لكن الخطر الأكبر من المحكمة يأتي عبر استخدامها في الصراع السياسي الداخلي . إذا كان اللبنانيون موحدين في مواجهة ما قد تثيره من فتنة فإن مفاعيلها ستكون أقل خطورة . هنا يأتي الدور السعودي في إقناع الطرف الحليف المعني مباشرة بأمر ldquo;الحقيقة والعدالةrdquo; بأن يتخذ الموقف الملائم لتعطيل استخدام القرار الاتهامي في إطلاق الصراع المذهبي وتصديع الوحدة الوطنية .

في مطلق الأحوال بدأ القرار الاتهامي يؤدي مفاعيله السلبية على الرأي العام في كل مكان، وأصاب من صدقية وهيبة المقاومة الكثير ووضعها في دائرة الشك، الأمر الذي يبنى عليه في كل سعي لمحاصرتها سياسياً ومحاولة عزلها معنوياً تمهيداً لأي احتمال عدوان صهيوني جديد . وبالسؤال عن توقيت تحريك هذا القرار لابد من معرفة الترابط الحاصل بينه وبين سعي الولايات المتحدة لتحريك المفاوضات الفلسطينية المباشرة والضغط من أجل ذلك بغياب أي ضمانات أو تعهدات عملية بوجود مرجعية لهذه المفاوضات وآفاق محددة سوى الحديث عن حل الدولتين الذي يحتمل التأويل والتفسير لدى كل طرف حسب مصلحته وتصوره . تحتاج الولايات المتحدة الآن أن تشغل العرب بالكثير من الملفات والقضايا لتجعل الفلسطينيين وحيدين في مواجهة تصلب حكومة نتنياهو .

وقد شكا محمود عباس، رئيس سلطة أوسلو من الضغوط التي تمارس عليه في الوقت الذي لم يتوقف زحف الاستيطان ولا تهديدات التغييرات المتسارعة في القدس . ولا يملك العرب الآن وهم في حال من التشرذم حتى أن يعيدوا التأكيد على فكرة الحل الشامل . بل إن المسعى السعودي يهدف إلى إقناع سوريا بإعادة المفاوضات غير المباشرة على مسار منفصل . في كل هذا المشهد نجد أن جذرية المشروع الصهيوني لن تترك مجالاً لحل على المسار الفلسطيني تستطيع أن تقبله ldquo;السلطةrdquo;، فهو حل يبقي ldquo;غزّةrdquo; كتلة مستقلة ويسعى إلى إيجاد حل اقتصادي اجتماعي للضفة كما يقول نتنياهو .

وفي الكثير من الأوساط هناك حديث عن إعادة البحث في إلحاق الضفة بالأردن، أو العودة لأفكار لقاء ldquo;جنيفrdquo; بين مثقفين من الجانبين، الذي اقترح مقايضة واسعة للأرض الفلسطينية، وبالتالي تجنب بحث الاستيطان وكذلك حق العودة .

يبدو أن الخطة الأمريكية تهدف إلى تفكيك الملفات وتحريك المفاوضات، في العراق وفلسطين، لتحسين صورتها لدى العرب ومحاولة استقطابهم في موقف موحد من إيران، وهي تركز على تطويق ما تعتبره امتدادات إيرانية في الوضع العربي . يمكن لهذه السياسة أن تحقق بعض أغراضها إذا كانت فرص السلام على المسارين الفلسطيني والسوري ممكنة .

ومن الواضح أن العرب يعطون فرصة جديدة للإدارة الأمريكية فهل ستنجح؟