حميد الكفائي


إعلان كتلة laquo;الائتلاف الوطني العراقيraquo; الذي تلاه أحمد الجلبي قبل أيام، برفض ترشيح نوري المالكي لرئاسة الوزراء رسمياً وإيقاف الحوار مع laquo;ائتلاف دولة القانونraquo; حتى يقدم مرشحاً بديلاً للمالكي، يشكل القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة الى ما سمّي بكتلة laquo;التحالف الوطنيraquo; التي شُكلت في حزيران (يونيو) الماضي بين الائتلافين الشيعيين، والتي أريد لها أن تكون laquo;الكتلة النيابية الأكثر عدداًraquo; في البرلمان العراقي كي يتمكن مرشحُها من تشكيل الحكومة. فبعد خمسة أشهر من المفاوضات والمجاملات بين هذين الائتلافين المتخاصمين، اضطر laquo;الائتلاف الوطنيraquo; لأن يجهر بهذه السياسة التي كان يتبناها حتى قبل إعلان laquo;التحالف الوطنيraquo; وهي عدم التجديد لنوري المالكي. هذا الإعلان يمثل في الحقيقة نهاية المالكي السياسية، لأن الأساس الذي اعتمده لتجديد ولايته هو التحالف مع laquo;الائتلاف الوطنيraquo;، إذ كان يأمل أن يحظى بترشيح التحالف الجديد باعتباره زعيم الكتلة الكبرى فيه.

وبعد رفض كتلة laquo;العراقيةraquo; التنازل عن منصب رئاسة الوزراء للمالكي، لم يبق أمام كتلة laquo;دولة القانونraquo; سوى خيارين لا ثالث لهما ولا مكان للمالكي في أي منهما. الخيار الأول هو التحالف مع laquo;العراقيةraquo; الذي يعني أن المالكي لن يحصل على رئاسة الوزراء لأن laquo;العراقيةraquo; هي الكتلة الأكبر وستحتفظ بهذا المنصب لزعيمها إياد علاوي، وأن أقصى ما يمكن أن يحصل عليه laquo;دولة القانونraquo; هو بعض الوزارات السيادية ومنصب نائب رئيس الوزراء الذي ربما يذهب لأحد قادة الكتلة الآخرين. أما الخيار الثاني فهو الانصياع لمطلب laquo;الائتلاف الوطنيraquo; وتقديم مرشح آخر غير المالكي كي يتنافس مع مرشح آخر من laquo;الوطنيraquo; ضمن كتلة laquo;التحالف الوطنيraquo;.

هناك مرشحان لخلافة المالكي ضمن كتلة دولة القانون، هما الدكتور حيدر العبادي والسيد علي الأديب، وهما أبرز قيادييْن في حزب الدعوة الإسلامية حالياً بعد المالكي. المرشح الأكثر حظاً والذي يحظى بقبول ضمن الدعوة وكتلة القانون هو حيدر العبادي وهو سياسي متزن ويحمل دكتوراه في الهندسة من بريطانيا ويتكلم الإنكليزية بطلاقة وله تجربة حكومية إذ تولى حقيبة وزارية في الحكومة الأولى، لكن الأهم من ذلك أنه برهن على قدرة سياسية متميزة خلال السنوات السبع الماضية ولم يستعدِ السياسيين الآخرين خارج كتلته، بينما امتاز خطابه بالاعتدال. أما علي الأديب فقد كان منافساً للمالكي عام 2006 بعد اضطرار الجعفري للتخلي عن ترشحه لرئاسة الوزراء، لكن المالكي تفوق عليه لأسباب لا مجال لذكرها الآن. وكان الأديب ثاني اثنين في حزب الدعوة بعد الجعفري وأحد أهم قيادات الدعوة التاريخية لما يتمتع به من قدرات فكرية وعلاقات طيبة مع الإيرانيين، بالإضافة إلى أنه ينتمي إلى عائلة كان لها دورها الفاعل في تأسيس حزب الدعوة الإسلامية، إذ كان عمّه صالح الأديب أحد مؤسسي هذا الحزب وقادته في الستينات والسبعينات من القرن الماضي. أما قيادات الخط الثاني في الحزب كصادق الركابي وحسن السنيد ووليد الحلي وطارق نجم فلن يكون لأي منها حظ في القيادة حالياً.

لكن المشكلة التي قد تعوق ترشح خليفة المالكي لرئاسة الوزراء هي أن مكونات الائتلاف الوطني، وبخاصة المجلس الأعلى، ترفض تولي أي من أعضاء حزب الدعوة رئاسة الوزراء، والسبب هو أنها رأت أن الدعوة كحزب أيديولوجي تأريخي قد توسع ونما على حساب الأحزاب الإسلامية الشيعية الأخرى لأنه يمتلك laquo;الشرعية التاريخيةraquo; والأرضية الأيديولوجية والتنظيم الحزبي الأفضل... وإذا أضيفت إلى هذه المزايا قوة السلطة والفرص التي توفرها لأعضائه وأتباعه، فإنه سيتسيد الساحة الإسلامية الشيعية خلال الفترة البرلمانية المقبلة، وهذا ما تعارضه هذه المكونات. ويأمل laquo;الائتلاف الوطنيraquo; في أن يقدم laquo;دولة القانونraquo; مرشحاً أقل شعبية وخبرة، الأمر الذي سيمكِّن مرشحها الرئيس، عادل عبدالمهدي، من الترشح لرئاسة الوزراء. لكن التنافس بين ثلاث شخصيات داخل الائتلاف الوطني، هي: إبراهيم الجعفري وأحمد الجلبي وعادل عبدالمهدي، على الموقع الأول سيضعف قدرته على تقديم مرشح قوي ينافس مرشح laquo;دولة القانونraquo; الذي لن يصوت لأي من هؤلاء المرشحين الثلاثة لأن لديه اعتراضات مبدئية على كل منهم. وهذا يعني أن laquo;التحالف الوطنيraquo; قد انتهى عملياً وأن laquo;القائمة العراقيةraquo; هي التي ستشكل الحكومة المقبلة، بالتحالف إما مع laquo;دولة القانونraquo; أو laquo;الائتلاف الوطنيraquo;.

laquo;ائتلاف دولة القانونraquo; سيسعى بقوة هذه المرة للتحالف مع laquo;العراقيةraquo;، التي أصبحت الآن في موقع قوي جداً، وسيقدم لها تنازلات، بما فيها سحب ترشيح المالكي والموافقة على تولي الدكتور إياد علاوي رئاسة الوزراء. إنه يعلم جيداً أن تحالف laquo;الائتلاف الوطنيraquo; مع laquo;العراقيةraquo; يعني أن كل laquo;المكاسبraquo; التي حققها الائتلاف لأعضائه خلال السنوات الأربع الماضية ستكون في مهب الريح إن لم يشترك في الحكومة المقبلة لحمايتها. هناك الكثير من المواقع الإدارية المهمة في الدولة قد شغلها أعضاء في حزب الدعوة أو مقربون منه من دون أي اعتبار للكفاءة أو الأهلية أو الخبرة، ومن المتوقع أن تجري الحكومة المقبلة تغييرات تشمل هذه المواقع. سيكون هناك تنافس شديد بين laquo;دولة القانونraquo; و laquo;الائتلاف الوطنيraquo; للتحالف مع laquo;العراقيةraquo; التي عليها أن تشترط أولاً وقبل كل شيء أن يتخلى الائتلافان عن تحالفهما رسمياً لأن هذا التحالف هو الذي أوجد هذه الأزمة الخانقة وأخّر تشكيل الحكومة لأربعة أشهر حتى الآن.

وفي خضم هذا التنافس، فإن laquo;تحالف القوى الكردستانيةraquo; سيلعب هو الآخر دوراً كبيراً في اختيار الائتلاف الذي سيتحالف مع laquo;العراقيةraquo; باعتباره الطرف الثالث المهم في الحكومة المقبلة. لكن العامل الأهم في اختيار الشريك المقبل بالنسبة الى laquo;العراقيةraquo; أو laquo;التحالف الكردستانيraquo; سيكون حجم التنازلات السياسية التي يقدمها أي من ائتلافي laquo;دولة القانونraquo; و laquo;الوطنيraquo; من أجل الاشتراك في الحكومة، هذين الائتلافين اللذين لم يجمعهما جامع سوى كونهما شيعيين، وبانفراط عقدهما، ستكون الطائفية السياسية قد تلقت ضربة ربما قاضية، الأمر الذي يمكِّن العراق من التوجه نحو بناء مؤسساته المدنية وبناه الاقتصادية بدلاً من الانشغال بالهوية المذهبية أو القومية لقادته.