سمير عطا الله

العشرون عاما مرت علينا جميعا. بالنسبة إلي، كصحافي عمل في الكويت وعاش فيها وله فيها أصدقاء، لم يكن احتلال الكويت إلا كاحتلال لبنان. لذلك منذ اليوم الذي دخل فيه العراقيون إلى يوم خرجوا، كان لي عنوان يومي واحد في هذه الجريدة: تحرير صاحب الأرض وخروج المزور الفظ.

ربما أكون، لسنوات، تابعت شؤون الكويت أكثر من أي صحافي عربي آخر. كانت تعني الكثير كتجربة شخصية، وتجربة مهنية، وتجربة عربية. وفيها عرفت، عن بعد، ولكن بقرب شديد، اثنين من رجال التاريخ في الأمة: الأمير المؤسس، الذي كان أكبر من صغارات الناس أجمعين، والأمير المحرر، الذي كان أكبر من صغارات الدنيا بأجمعها. عبد الله السالم وجابر الأحمد. أمير الاستقلال والدستور والرفعة، وأمير البناء الحديث والثقافة والترفع. الأول، جعل للكويت حجما كبيرا في العالم المعاصر. والثاني عرف كيف يستعيد ذلك الحجم من فم الدب.

كان كلاهما مختلفا في الطباع وفي أسلوب الحكم وفي الحياة، لكنهما تشابها حتى التوأمة في التكرس لبناء الدولة. وتجاوز كلاهما، بتجرد تام، اختلافات الكويتيين وشغفهم بالتجاذب. وحاول كل منهما، على طريقته وبأسلوبه، أن يثبت أن الاستقلال والتحرير استحقاق تاريخي، لا مسار تاريخي. وأحاط كل منهما نفسه وحكمته، بأفضل رجال مرحلته. فكان لكل منهما مجلس شورى غير معلن يضم رجالا من طبقة عبد العزيز حسين وعبد العزيز الصقر وعبد الرحمن سالم العتيقي.

عندما جئت إلى الكويت فتى، كان عبد الله السالم مبحرا في نهاية تجربة حكم وبناء وإدارة باهرة. وكان قد أخرج الكويت للتو من محنة عبد الكريم قاسم. وعندما جئت في الثمانينات، كان جابر الأحمد يقود الكويت المعاصرة بأفق مستقبلي ومهارة سياسية فائقة ويبحر بها بين خلافات العرب.

انقض صدام حسين بفظاظة وعق على صداقة جعلها جابر الأحمد في أرقى الصيغ وأعلى مراتب الصبر. وسار على الكويت يريد رأسه وأرضه. وقرر جابر الأحمد أن يكون في الانتظار، لكن الملك فهد بن عبد العزيز ألح عليه طوال ذلك النهار: إذا وصلوا إليك أزالوا الشرعية، قم إلى هنا الآن.