وفيق السامرائي


ليس من حق الكويتيين عدم نسيان يوم الغزو فحسب، بل من حقهم أن يطبعوا على أغلفة كتب مدارسهم عبارة laquo;تذكروا ذلك ولا تنسوهraquo;، غير أن التصرف الحكومي ينبغي أن يكون وفق مفهوم laquo;طي صفحة الماضي وتعزيز أمن المستقبلraquo;، مادام المسؤولون الرئيسيون قد رحلوا. وأرى واقعية مسؤولة في النهج الرسمي الكويتي. فها هو طارق عزيز يكشف عن اعتراضه على قرار الغزو. وهو كشف يمكن أن يسهم في إزالة أوهام الأصل والفرع من ذاكرة العراقيين، إذا ما استغل علمياً.
لم يكن عزيز وزيراً عادياً، بل من القلة الذين اعترف صدام بثقافتهم العالية وذكائهم، وحظي بثقة كبيرة. لذلك كان عليه أن يتخذ موقفا قوياً يجابه كل الأصوات المؤيدة لفكرة الغزو حتى قبل أن تتحوّل إلى قرار. فشرح موسع عن صلة الكويت بالمصالح العليا للغرب ودول الخليج لابد أن يؤدي إلى فهم ردود الفعل الدولية. وإن تعذر إفهام أصحاب القراءات السطحية، تصبح الاستقالة من مواقعه الرسمية والحزبية خيارا سليما، ولا أشك في أن صدام كان سيحترم علاقاتهما الطويلة ولا يقوم بإيذائه.
هنا سيقول البعض -ولهم الحق- إذن لماذا لم تعترض الاستخبارات؟ وأجزم أنها لم تكن مع الغزو، ولم تصفق له، وحاولت بما تستطيع لمنعه. أما الاعتراض بمفهومه المجرد فيعني الانتحار. فالاستخبارات ليست موقعا سياسيا، بل جزء من المؤسسة العسكرية. ويستحيل على قائد عسكري عراقي أن يتخذ موقفا كالذي اتخذه القائد العسكري الأميركي في أفغانستان في نقده الشديد للبيت الأبيض.
عزيز في السجن، وسيقضي بقية حياته فيه، وليس من الإنسانية ولا من الأخلاق التركيز سلبا على وضعه من قبل شخص يتمتع ببعض جوانب المعرفة. فالحاضر أهم من الماضي، لأنه يرتبط بالمستقبل المحفوف بالمخاطر.
خلاف ما تطالب به الجماعات العاملة تحت لافتة المقاومة، يدعو عزيز إلى بقاء القوات الأميركية ووقف الانسحاب. لعدم ترك العراق للذئاب على حد وصفه. فيتقاطع سلبا مع الجماعات المسلحة من زاوية فهمه للوضع العام. وقد لا أكون مع هذا الرأي، من منطلق مستقل محايد لا صلة له بآخرين. فما دام الأميركيون غير جادين في تصحيح أخطائهم الاستراتيجية الخطيرة التي ارتكبوها في مرحلة ما بعد سقوط النظام، فلا ضرورة لبقائهم هناك.
ما كشفه عزيز عن تحفظه على غزو الكويت ينبغي أن يكون عبرة للآخرين، كي لا يكتفوا بالتحفظ. فالتحفظ وحده ليس حلا، ولا يقدم حصانة، ولا يحفر في جدارية التاريخ.
لقد أخطأ الأميركيون في تسليم عزيز للسلطات العراقية. ولو أطلقوا سراحه منذ البداية، ووضعوه تحت سيطرتهم في مكان ما. وتركوا له حرية الكتابة للتاريخ، وقبلوا نقده لهم أيضاً، بعيدا عن التثوير، لقدم كشفا يختلف عن كل ما كُتب وقيل.
في كل الأحوال. لقد تمتع عزيز في جلسات محاكمته بضبط أعصاب غير عادي، وتوازن كبير، ولم يُلق لوما على أحد، وبقي وفيا لمبادئ آمن بها بصرف النظر عن رأي غيره. خلاف آخرين تراشقوا بينهم.
أما ندائي إلى المسؤولين العراقيين فأوجهه إلى فخامة الرئيس الطالباني، أن يعمل بقوة (بعد تجديد ولايته المرجح)، على إصدار عفو عن عزيز، كمقدمة لقرارات لاحقة تطوي صفحات الماضي، ولإتاحة الفرصة له للكتابة عن حقائق يختزنها في ذاكرته.