علي بن حسن التواتي

أصبحت المنهجية الأمريكية في إدارة حربها في أفغانستان وباكستان مثيرة لمشاعر الشفقة والاستهجان أكثر من أية مشاعر أخرى. ففي الوقت الذي تمر فيه باكستان بظروف مناخية كارثية قل أن تمر بها دولة أخرى في العالم، تتفرغ القيادة العسكرية الأمريكية في أفغانستان لتنفيذ مخططاتها بتصيد وقتل أعدائها أو من تظن أنهم كذلك في شمال باكستان بصواريخ الطائرات الموجهة بدون طيار.
ويبدو أن حجم الكارثة التي تمر بها باكستان أكبر من استيعاب القادة العسكريين والسياسيين المسؤولين عن توجيههم في إدارة تلك الحرب الملعونة ليتجاوزوا ظروف الزمان والمكان وليغمضوا العيون ويصموا الآذان عن كل صورة أو نداء غير صورة ونداء الثأر والانتقام وسفك الدماء وإزهاق مزيد من الأرواح، فيصرون بكل تفاهة على إرسال ألعابهم الطائرة المميتة لترمي بصواريخها على بيوت وقرى في شمال غرب باكستان المنكوبة في سبيل تحقيق انتصارات عسكرية وهمية لتعزيز موقف إدارة وقفت حتى الآن عاجزة عن تحقيق أي انتصارات في أي من الجبهات العديدة التي فتحتها أو انفتحت عليها أو ورثتها وأبقت عليها مفتوحة في مختلف الاتجاهات العسكرية والاقتصادية وفي غيرها من الجبهات.
باكستان يا ساده تمر بكارثة إنسانية غير مسبوقة وصفها السكرتير العام للأمم المتحدة الذي زار باكستان منذ عدة أيام بأنها (أسوأ من كارثة التسونامي التي ضربت المحيط الهندي سنة 2004م ومن الزلزال الذي ضرب باكستان سنة 2005م مجتمعتين)، وحصيلة القتل والدمار اللذين تعاني منهما باكستان اليوم لا يمكن أن تحدث صناعياً إلا باستخدام القنابل النووية الأمريكية لا طائرات (البلاي ستيشن)، آلاف القرى والبلدات زالت من الوجود وكأنما لم تكن، و20 مليون باكستاني تأثروا بالكارثة بشكل مباشر أو غير مباشر بمعدل يصل إلى 1 من كل عشرة باكستانيين، وأحصي حتى وقت تسليم هذه المقالة يوم الإثنين الماضي 1463 قتيلا، و895 ألف منزل مدمراً، و900 ألف مشرد، وعشرات الآلاف من المشردين. وحتى الناجين من الكارثة يعيشون الآن نهباً للأمراض الناجمة عن المياه الملوثة مثل الكوليرا والإسهال المزمن والملاريا وحتى الطاعون نتيجة لانتشار القوارض والحشرات.
وفي وسط هذا المشهد الكئيب تنطلق ألعاب الموت الأمريكية الطائرة منزوعة من نطاق الزمان والمكان وكأنما هي قادمة من عالم آخر غير عالم البشر لتضرب بيتاً إضافياً وتزهق روحاً أخرى وكأنما الباكستان بحاجة إلى مزيد من القتل والدمار. فيا لها من انتصارات عظيمة تلك التي تحاول القيادة العسكرية الأمريكية تحقيقها في الوقت الضائع في ظروف النكبة بعد أن أعيتها الحيلة في تحقيقها في الظروف العادية.
ولذر الرماد في العيون تعلن الإدارة الأمريكية (تعهدها) بمساعدات لا تتجاوز 86 مليون دولار على شكل مروحيات إنقاذ وقوارب وتموينات. فهل تعيد هذه الدولارات القليلة الأرواح البريئة التي تزهقها الطائرات الأمريكية كل يوم بتهمة الاشتباه؟ أو تفيد في تمويل الحرب الأهلية الباكستانية التي أشعلت أوارها والتي أتت حتى الآن على الأخضر واليابس وأوقفت التنمية في باكستان لما يقرب من عشر سنوات؟ أو تفيد في بناء حوالي مليون بيت لأسر تبيت في العراء نهباً للأمراض والآفات؟ أو أنها تفيد في تجميل الوجه الذي ما زال يزداد بشاعة بمرور الزمن؟
إن الباكستان بحاجة ماسة لمشروع (مارشال) لإعادة إعماره بأثر رجعي وتوفير ظروف العيش الكريم لأهله، وليس بحاجة لمن يعمق جراحه ويزيد من مآسيه. ومن يدقق في الأمور ويتجرد من تأثيرات (فوفوزولا) الإعلام الأمريكي التي تصم الآذان يلاحظ بوضوح أن ما تفعله أمريكا في الباكستان منذ زمن هو في الحقيقة حرب على باكستان ذاتها، فكل تحالف جبري يفرض على الحكومات الباكستانية ليشعل حرباً أهلية ويؤدي إلى مزيد من الدمار هو تحالف غير مجد ولا يليق بدولة عظمى بحجم الولايات المتحدة، لأن في دمار باكستان نهاية للأمن والاستقرار في منطقة القيادة الأمريكية الوسطى، وتحويل الباكستان إلى دولة فاشلة لا يعني بأية حال من الأحوال قطع الإمدادات عن أفغانستان واستسلام طالبان، لضمان استمرار بقاء القوات الأمريكية هناك إلى ما لا نهاية لتعطيل التكامل الآسيوي كما هو مستهدف كغاية قصوى غير معلنة، ولكن مثل هذا المصير لباكستان سيقود بالتأكيد إلى اشتعال المنطقة بحروب عصابات وسقوط مزيد من الدول في حالة من الفوضى وتنام غير مسبوق لمشاعر العداء لأمريكا والغرب لن تكون نتائجه في صالح أحد بما في ذلك المواطنون الأمريكان والأوربيون على أراضيهم وفي كل مكان في العالم. وحتى التحالف المتنامي مع الهند لن يقود إلى الأهداف المرجوة منه مع تجاهل أن الهند هي أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان ولا أحد من مسلمي الهند ومن غيرهم من الطوائف الهندية المختلفة يرضى بما يجري حالياً لباكستان وأفغانستان تحت سمع ونظر أمريكا وحلفائها.
ولذلك آمل أن يستجيب الرئيس الأمريكي باراك أوباما لدعوة الرئيس الأفغاني حامد كرزاي بإعادة تقييم سريعة للأوضاع في أفغانستان، وفي الباكستان أيضاً، لتغيير الاتجاه قبل فوات الأوان والعمل على تحرير إرادة الأفغان والباكستانيين في إعادة تشكيل حكوماتهم وترتيب أوضاعهم لتوجيه مواردهم الضئيلة باتجاه التنمية ورفع مستوى المعيشة. وفي مثل هذه الحالة فقط يمكن لأمريكا أن تمد يد المساعدة البيضاء النظيفة التي سيصافحها الجميع بكل أريحية وصداقة، أما المساعدة التي تقدم بيد ملطخة بالدماء البريئة فإن كل إنسان لديه ذرة من الكرامة والفطرة الإنسانية السليمة سيرفضها ويرفض مصافحة اليد التي تقدمها حتى لو مات من الجوع، بل سيسعى إلى قطع تلك اليد مهما طال الزمن.