هل لدينا طابور خامس في الخليج؟

الرياض السعودية


زهير فهد الحارثي

لم تكن مفاجأة تلك المعلومات التي أوردتها جريدة quot;القبسquot; الكويتية، بقدر ما أنها تثير عدة تساؤلات حول أمن دول الخليج واستقرارها، فقد ذكرت أن quot;مجموعات مسلحة تستعد للقيام بأعمال تخريبية ، بهدف إثارة الفوضى والبلبلة في الكويت والسعودية وعدة دول خليجية أخرى إذا ما تعرضت إيران لضربة عسكرية بسبب برنامجها النووي، أو حتى في حال تضييق الحصار الاقتصادي المفروض من الأمم المتحدة على إيرانquot;. ورغم خطورة تلك المعلومات إلا أنها متوقعة حين التعاطي مع طبيعة السياسة الإيرانية الخارجية.

ومع ذلك فان انكشاف مثل هذا الأمر ليس بالضرورة يضر بإيران، بل ربما يصب أيضا في خدمتها، كونها عملية مخططا لها مسبقا، وتُحقق الرسالة المراد إيصالها لدول الخليج، وهذا كاف لها. فهي تقول لا تفتحوا أجواءكم لأحد رغم أن موقف الخليجيين في هذه المسألة معروف ومعلن، بل وتضيف إن عليكم عدم الانصياع لقرار العقوبات الصادر من الشرعية الدولية، ما يعني في تقديري تهديدا وابتزازا فاضحا. وفي مثل هذه الحالات لا سيما عند مواجهتها بها، نلحظ إما صدور نفي إيراني أو صمتا مطبقا من قبلها، وهو ما اعتدنا عليه، وكأن ما حدث لا علاقة لطهران به البتة.

نقلت laquo;القبسraquo; عن مصادر مطلعة، laquo;أن تقرير الاستخبارات البحرينية بني على أساس اعترافات شبكة تضم نحو 250 شخصا ألقي القبض عليهم في البحرين قبل أيام واعترف أفرادها بأنهم ينتمون لجهة عسكرية في دولة إقليمية

وكانت قد نقلت quot;القبسquot; عن مصادر مطلعة، quot;أن تقرير الاستخبارات البحرينية بني على أساس اعترافات شبكة تضم نحو 250 شخصا ألقي القبض عليهم في البحرين قبل أيام واعترف أفرادها بأنهم ينتمون لجهة عسكرية في دولة إقليمية، وأن هناك تنسيقا بينهم وبين خلايا نائمة في الكويت والسعوديةquot;.

وتابعت quot; وهذه المجموعات الإرهابية منتشرة في دول الخليج ، وتضم مواطنين ومقيمين، وهناك تنسيق مباشر بينها وبين جهة عسكرية في دولة إقليمية مع وجود ضابط ارتباط لكل مجموعة لتبادل المعلومات وتنفيذ التعليماتquot;.

غير أن الملفت هو كشف الأساليب التي ستقوم بها تلك الخلايا التخريبية حيث تبدأ من تنظيم مظاهرة سلمية تندد بالاعتداء العسكري على إيران حال وقوعه ثم تتحول المظاهرة من سلمية إلى أعمال عنف وإضرام النار في مؤسسات ومنشآت واستهداف البنية التحتية.

على أن هذه الخلايا النائمة ، إن صح وجودها ، تندرج تحت مسمى الطابور الخامس، وهو مصطلح شائع جاء نتيجة للحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي. ولذا فهم جواسيس أو عملاء يمارسون نشاطات التجسس والتخريب واصطناع أزمات اقتصادية فضلا عن إثارة الرأي العام بترويج الإشاعات ، وترديد الأكاذيب وتزييف الحقائق، وقد يتجاوز كل ذلك ليصل حد القيام بأعمال إجرامية وإرهابية، لأن الغاية هنا هي إثارة القلاقل والفتن وزعزعة الأمن والاستقرار وبث الروح الانهزامية وهز الجبهة الداخلية.

غير أن المصطلح قد يبدو غريبا لدى البعض، لكن لو عرجنا على قصة ظهوره باختصار لتلاشى هذا الاستغراب. بعض المؤرخين يشيرون إلى أن نشأته جاءت خلال فترة الحرب الأهلية الإسبانية خلال أعوام 1936-1939، وانه أثناء حصار مدريد من قبل اليمين (الثوار) بقيادة فرانكو والذي انقلب على (اليسار) رغم فوزهم بالانتخابات. خطب احد الجنرالات آنذاك عبر المذياع لإثارة حماس الجنود واستنهاض هممهم، قائلا بأن هناك أربعة طوابير تحاصر الجمهوريين في العاصمة ، وأن هناك quot; طابورا خامسا quot; من أنصار الانقلاب ويقصد به مؤيدي الثورة من الشعب، ومن هنا ترسخ هذا المعنى وبات يُطلق على الجواسيس الذين يعملون مع دولة معادية لدولتهم، كما حدث لتشيكوسلوفاكيا وبولندا من قبل الأقلية الألمانية الموجودة فيهما آنذاك والتي قامت بأعمال تخريب وتدمير ما ساهم في رضوخ الدولتين لألمانيا النازية.

على أي حال ، وبالعودة لصلب الموضوع ، نرى أن علاقة العرب مع إيران عبر التاريخ فيها شيء من الريبة، وان الأخيرة لها الرغبة في التوسع والتهديد، ناهيك عن خطابها الراهن الذي يفتقد اللياقة، كما أنها أعادت وضع الخيارات الأمنية والعسكرية في سلم الأولويات على حساب الاستحقاقات الداخلية. ومن الطبيعي أن تثار حفيظة الخليجيين إزاء ما تقوم به إيران من أساليب واختراقات والتي قد تجر المنطقة إلى خيارات مؤلمة ما يعني دخول دولها إلى مرحلة عدم الاستقرار الأمني والسياسي .

إن وجود هذه الخلايا هو تأكيد لفلسفة سياستها الخارجية التي تستند إلى مفهوم التدخل في شؤون الدول الأخرى عبر حركات وأحزاب وعناصر، وذلك بإثارة الفوضى والقلاقل في دول المنطقة من اجل المراهنة على دور اكبر لها في المنطقة. ارتأت إيران أن زراعة الخلايا هي الطريقة المثلى لاستهداف دول الخليج . هذه الخلايا يبدو أنها تصنف على فئات موزعة حسب نوعية المهمة، فمنها الاستخباراتية التي تجمع المعلومات العسكرية والأمنية والاقتصادية، وفئة دعائية هدفها ترويج الإشاعات،أما الفئة الثالثة فهي قتالية ميدانية ومهمتها القيام بالعمليات الإجرامية، وعادة ما يصعب معرفة عدد عناصرها ولا يوجد لها تنظيم هيكلي ويتم تجنيد عناصرها إما عن طريق الإغراء المادي أو الانتماء المذهبي.

ورغم محاولات طهران استغلال الورقة الطائفية في بعض البلدان إلا أنها فشلت، وان كان التواجد الإيراني ملموسا باختلاف المسميات والمذاهب لاسيما في ظل تقاطع المصالح ، فكما أن هنالك شيعة في الخليج لا يتفقون مع السياسة الإيرانية بل ويرفضونها ، فانه على النقيض تجد من السُنه من يشجعها وينفذ ما تطلبه منه طهران، بدليل علاقة إيران بالقاعدة ودعمها لها واحتضانها لعناصر من القاعدة مطلوبون أمنيا للسعودية . فالمسالة هنا ليست طائفية بحتة بقدر ما أن المصلحة هي المعيار.

وقد قرأت أن السفير الإيراني عادل الأسدي وكان سفيرا لبلاده في لشبونة أقر بهذه الخلايا وأنها موجودة في كل دول الخليج ، موضحا بأنها ترتبط بالحرس الثوري الإيراني. وأيد هذه المعلومة كل من آية الله العظمى حسين المؤيد وعضو البرلمان العراقي محمد الدايني .

غير أن من يخالف هذا الرأي ، عليه أن يبحث عن إجابات مقنعة. وهنا نتساءل: من دعم فيلق بدر في العراق، الم ُترسل إيران فيلق القدس ودفعات من الحرس الثوري لمساندته؟ أليست إيران هي من يدعم حزب الله وفروعه في الدول العربية؟

وماذا يعني إعلان الحكومة البحرينية عن اكتشافها لهذا التنظيم عام 1996 وانه مرتبط بإيران؟ وهل ما يصدر عن طهران من تصريحات استفزازية وتهديدية تجاه الجيران يخدم المنطقة واستقرارها؟ وماذا تفسر وجود فرع لحزب الله في اليمن الذي أصبح اسمه quot;حزب الشباب المؤمنquot; فضلا عن علاقته بجماعة الحوثي، أما في الكويت فما دور quot;طلائع التغييرquot; وquot; منظمة الجهاد الإسلاميquot; وغيرهما؟ وماذا يعني وجود ما يسمى بحزب الله السعودي في السعودية؟ وفي مصر ألم ُتكتشف خلية لحزب الله وكذلك في الأردن ؟ الملفت انك تجد تلك الفروع لحزب الله لا تلبث أن تُغّير أسماءها لاعتبارات أمنية.

صفوة القول إن ثمة ضرورة لتشريح تلك المعضلة علميا ومعرفيا من قبل المختصين لمعرفة أسباب حدوثها ومحاولة معالجتها ، وهذا لا ينفي أهمية يقظة الأجهزة الأمنية في الخليج وملاحقة هؤلاء الموصومين بعار الخيانة والجاسوسية وتقديمهم للعدالة. وفي المقابل يبدو أن إيران بحاجة إلى نقد ذاتي جاد وموضوعي يدفعها لاستيعاب المأزق الذي وضعت نفسها فيه، وبالتالي تنقذ نفسها والمنطقة من المخاطر المحدقة بها من كل جانب.

الحكاية السياسية خلف القاعدة .. أبعد من إيران


الرياض السعودية

فارس بن حزام

ربما من المناسب، وضع الشعارات الدينية الكبرى لتنظيم quot;القاعدةquot;جانباً، والتفكير جدياً في الحكاية السياسية؛ المحرك الخفي لنشاط التنظيم في مختلف البلدان، خاصة بعد أن اتسعت دائرة المقتنعين بتواجد عشرات quot;القاعديينquot; في إيران.

وما جاء في تعليق صالح القرعاوي (أحد عناصر قائمة ال85) زاد في الاقتناع بالعلاقة مع إيران، ولعل الوقت بات مناسباً للحديث عما بعد إيران، مع الإطلالة على حادثة ناقلة النفط اليابانية في مضيق هرمز.

ومن يتابع التنظيم وأفكاره، يتيقن أن اليابان ليست في دائرة اهتمامه، وغير مدرجة ضمن سجل أهدافه السهلة في كل مكان. ولذا كان غريباً استهداف الناقلة البريئة في مضيق الخليج العربي، ولم يخرج إلى العلن سوى تفسير واحد؛ رسالة من quot;القاعدةquot; باختراقها أمن المضيق عبر هدف سهل.

غير أن الحادثة منحت فرصة جيدة للتفكير أكثر، والبحث عن تفسيرات أخرى بديلة، والبداية دائماً في البحث عن المستفيد من دفع مياه الخليج إلى مزيد من التوتر الأمني. هل هي إيران مثلاً؟

الحصار الاقتصادي على إيران يجعلها غير آبهة بسلامة نقل النفط من الخليج، لأنها لن تنقل نفطها عبره، والاستعجال في توتيره لا يفيدها كثيراً في المرحلة الحالية، وهي لن تقصر أبداً في ذلك عندما تتعرض لأي اعتداء، مثلما هو منتظر، ولكن عندما تشير اليابان، بعد حادثة الاعتداء، إلى التفكير بمسارات بديلة وخيارات نفطية غير خليجية، يجدر التفكير بأطراف أخرى مستفيدة من غير إيران.

الإشارة اليابانية تكشف عن أطراف دولية أخرى غير إيران، متضررة من التركيز العالمي على نفط الخليج، وإهمال منتجاتها النفطية، الذي من أسبابه الجودة المتوافرة، والمسارات البحرية السريعة في إيصال المنتجات إلى الأسواق العالمية.

زيادة التوتر في مياه الخليج، ستدفع اليابان وغيرها، من الدول الاقتصادية الكبرى، التي تعتمد على النفط الخليجي، لسد احتياجاتها اليومية، إلى البحث عن الطرق الأكثر أمناً، وهنا تدور المعركة الخفية لدول كبرى تعمل على دعم نشاط quot;القاعدةquot; وأخواتها، من حيث لا يعلم التنظيم ولا كوادره، التي تسرح بلا بصيرة.

التنظيم، الذي نشأ عبثاً بإرادة دولية، لخدمة مصالح مؤقتة، يقع دائماً تحت سيطرة من يوجه بوصلته، من حيث لا يدري، في اعتقاد من قادته أن التقاء المصالح لتحقيق هدف واحد جائز شرعاً، في حين لا تبصر كوادره التنفيذية، من الشباب الباحث عن الشعارات الدينية البراقة، السياسة التي تحرك التنظيم بعيداً عن الأهداف الدينية، كالجهاد.