زهير قصيباتي


إذا كان laquo;حزب اللهraquo; و laquo;جمعية المشاريعraquo; توافقا على أن خلافاً فردياً laquo;تافهاًraquo; أدى الى الاشتباكات الليلية في بيروت والتي استخدمت فيها قذائف صاروخية، وأوقعت ثلاثة قتلى، ما الذي يمكن اللبنانيين توقعه، إذا انتقلت الى الشارع صراعات كبارهم؟

قد يقال مجدداً إن وراء حال الاحتقان في الشارع، أزمة انقطاع الكهرباء وخطوط التوتر العالي laquo;الصامتraquo; بين أطراف معنيين بالملفات الكبرى، مثل المحكمة الدولية والقرار الظني والاستراتيجية الدفاعية وكيفية تسليح الجيش واقتلاع العملاء الذين ينخرون في جسد البلد، طولاً وعرضاً... ومعنيين خصوصاً بدرء مشاريع الفتنة التي يجمعون على التحذير منها، ولا أحد يعرف من أين تنطلق شرارتها. وقد يعتبر بعضهم أن اشتباكات الثلثاء التي احتدمت ضراوتها على خلفية سبب laquo;تافهٍraquo;، وعلى مدى ثلاث ساعات، إنما تحمل رسالة حول القدرة على توريط laquo;حزب اللهraquo; في نزاعات في زواريب بيروت وأحيائها، لتجديد إشكالية السجال حول وظيفة سلاح المقاومة، بعيداً من خط التماس مع العدو الإسرائيلي، وبعيداً من إشراف الجيش اللبناني.

والحال ان مصادفة ليست حسنة زامنت كلمة الأمين العام لـ laquo;حزب اللهraquo; السيد حسن نصرالله مع الاشتباكات التي روّعت المدنيين في منازلهم، وأعادت خلال بضع دقائق شبح الفتنة الى شوارع العاصمة اللبنانية. وبعيداً من تحميل أي طرف مسؤولية انفلات غريزة السلاح مجدداً، وما إذا صدقت المعلومات حول خطف مواطن وابنه من منزلهما في الليلة الظلماء، فواقعة برج أبي حيدر التي لا تشيع تفاؤلاً بصمود مديد لمفاعيل القمم العربية في بيروت، سبقتها تلميحات الى توقع إنعاش خطوط التوتر العالي بعد رمضان. وإذ يؤكد رئيس الوزراء سعد الحريري اقتناعه بوجود إصرار لدى بعضهم على تبديد مفاعيل القمم، بالتالي خشيته من محاولات لنسف التهدئة، يبقى مستغرَباً إصرار بعض الإعلام على رسم سيناريوات التوتير، وتوجيه رسائل سياسية الى أطراف معنية بتعقيدات المرحلة التي سُمّيت سابقاً laquo;عشية القرار الظنيraquo; للمحكمة الدولية. الواضح ان هدف تلك الرسائل هو استدراج مواقفٍ، تحت وطأة القلق على مصير البلد من تداعيات القرار الظني ومن laquo;احتمالات تسييسraquo; المحكمة، لكن المقلق بعد فشل الاستدراج أن يكون laquo;التحريكraquo; الأمني هو البديل، مدخلاً لتوريط حكومة سعد الحريري، ووضعها أمام مأزق مواجهات متنقلة.

قد ينطبق ذلك أيضاً على محاولة ما لشطب أولوية تسليح الجيش لتمكينه من رد الخروق الإسرائيلية على الحدود، لأن عودة التوتير الأمني في الداخل ستفرض أولوية إبعاد لبنان واستقراره عن الهاوية. وإذا كان بعض المتابعين رأى في ما حصل في واقعة البرج وكيفية تطويقها، تقدماً لـ laquo;جمعية المشاريعraquo; على laquo;الجماعة الإسلاميةraquo;، وإقراراً بوجود السلاح في ايدي التنظيمات، فصدامات الشارع ودوي القذائف حوّلت الانتباه عن تأكيد السيد حسن نصرالله استبعاده إسقاط الحكومة، خصوصاً في الشارع. ولئن كانت حاجة laquo;حزب اللهraquo; الى حكومة سعد الحريري مبررة بأنها الخيار الأفضل لمتابعة تداعيات أي قرار ظني يتهم أشخاصاً أو جهات محددة باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، طالما ان رئيس الوزراء هو وليّ الدم، تبدو مبكرةً قراءة ما قاله نصرالله بوصفه تعهداً بإبقاء الصراعات والخلافات تحت قبة البرلمان، بلا استثناء.

لا يلغي ذلك حقيقة التزامه ليل الثلثاء تهدئة ليس منها الاشتباك الدموي الذي تلى الخلاف laquo;التافهraquo; في بيروت. بل إن دعوته الى الإنصات المتبادل بين الأطراف المعنيين بالملفات الكبرى، تكاد أن تتطابق مع دعوة رئيس الحكومة الى الحوار والهدوء، وإعلان طلاق بائن مع الصراخ في الخطابات وعبر وسائل الإعلام. حتى حين حض على طلب السلاح للجيش، اقترح أن تكون البداية من الدول العربية laquo;ونبقي إيران آخر دولةraquo;، وفي ذلك حرص على عدم استفزاز الطرف الآخر الذي يأخذ على laquo;حزب اللهraquo; ارتباطه بولاية الفقيه، والنهج الإيراني. لكن ما لا يخفيه كثيرون هو تلمس ضابطٍ وحيد لإيقاع التهدئة لدى laquo;حزب اللهraquo;، يتجسد في معيار وحيد لكيفية التعامل مع ملف المحكمة، بصرف النظر عن صدقية نظرية الفصل بين القرار الظني الاتهامي والمحكمة. والخشية، قبلهما، أن تداهم الجميع انفجارات أمنية على خطوط التوتر العالي، ستعتبرها المعارضة سابقاً، مسعى جدياً لإسقاط معادلة laquo;الجيش والشعب والمقاومةraquo;، وتفسرها 14 آذار بمحاولة لمقايضة المحكمة بالأمن.

على خطوط التوتر وحولها، هل ينكر أحد قدرة الخارج على التسلل؟ ماذا عن دور العملاء، إذا انفجرت خلافات غير laquo;تافهةraquo;، بداياتها قتلى، وحصادها مزيد من السلاح، بعيداً من الحدود مع العدو؟