احمد عياش
في 19 آب الجاري كانت آخر الكتائب الاميركية تنسحب من العراق ويتسلم الجيش العراقي زمام الأمن الذي كان فقده اثر غزو بلاد ما بين النهرين في 19 آذار 2003. وفي اليوم نفسه، كانت هيئة الحوار الوطني اللبناني تجتمع مرة أخرى، بعد مرات عدة منذ عام 2006، لتبحث في طريقة تمنح الجيش اللبناني الفرصة ليكون على قدر المسؤولية المرتجاة منه بعد انسحاب القوات السورية من لبنان في 25 نيسان عام 2005.
بعد نحو 7 أعوام على ذلك الاجتياح وتفكيك جيش صدام حسين الذي كان يحتل واحدة من المرتبات العشر الاولى قوة في العالم، يترك quot;الشيطان الأكبرquot;، وهي الصفة التي أطلقتها الجمهورية الاسلامية الايرانية على الولايات المتحدة، العراق وفيه جيش مدجج بالاسلحة والآلاف من العراقيين الذين يتجمعون أمام مراكز التطوع حتى ولو كانت هدفاً للتفجيرات الانتحارية.
وفي لبنان، وبعد نحو ربع قرن من الوصاية السورية التي بدأت عام 1990 بموجب اتفاق الطائف، وخمسة اعوام من الاستقلال الوطني، لا يزال هناك من يفتش عن موارد تستخدم لتسليح الجيش وآخرها مبادرة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان وقد جسدها وزير الدفاع الياس المر باطلاقه حملة تبرعات.
في النفق العراقي، يبدو في نهايته بصيص أمل يتجسد في واقع تكرر في التاريخ عندما خيّر طارق بن زياد رجاله قبل نحو 14 قرناً بين عدوين: البحر والجيش الخصم، عندما كانت قواته تستعد للدخول الى اسبانيا quot;ولكن أين المفرquot;. فما كان منهم الا ان اندفعوا في قتال عدو انتهى الى النصر.
أما في النفق اللبناني، فتجرى محاولات حثيثة لتبين هذا البصيص الذي يكاد يخبو في ظل الوقائع التي يجسدها تفوق قدرة quot;حزب اللهquot; على قدرة الجيش سلاحا. ولذلك يتوقع ان يصير العراق في نهاية السنة المقبلة خاليا كليا من القوات الاميركية ليترك العراقيون يحكمون انفسهم بانفسهم، في حين لا يزال قادة لبنان يتحلقون حول طاولة الحوار يفتشون عن سبيل يجعل الجيش الوطني القوة الوحيدة التي تفرض النظام في وطنهم.
عندما انهارت السلطنة العثمانية واصبح لبنان وسوريا تحت سلطة الانتداب الفرنسي لنحو ربع قرن في النصف الاول من القرن العشرين، خرج البلدان من فترة الوصاية الفرنسية وعندهما جيشان. ولمن لا يذكر، فان ابا الجيش اللبناني فؤاد شهاب اتى من حقبة الانتداب. وعندما انهارت الدولة اللبنانية عام 1975 واصبح لبنان تدريجيا تحت وصايات شتى اهمها وأطولها وآخرها الوصاية السورية، خرج الوطن الى حقبة ازدواجية السلاح بين الجيش وquot;حزب اللهquot; الذي يمثل ذروة النفوذ السوري والايراني.
متى تنتهي هذه الحال التي لا تبشر باستقرار تنعم به كل اقطار المنطقة؟ لا جواب الى الآن. والأمر الوحيد الذي يمثل خروجاً عن سياق هذه الوصايات والمتمثل بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان تجري الآن محاولات لهدمه لمصلحة واقع يستعيد زمن اللاقضاء. لكن لحسن الحظ هناك بصيصاً في نهاية هذا النفق آت من صقيع كندا حيث ينتمي المدعي العام للمحكمة القاضي دانيال بلمار. في تلك البلاد يتمتعون ببرودة لا يعلم امرها إلا من عاش هناك. وكاد ينطلي على اميركي في احد البرامج الفكاهية هناك ما قاله كندي من ان رئيس وزراء بلاده لديه في منزله دب قطبي. ففغر الاميركي فاهه سائلاً: quot;حقاً؟!quot;. اذ كان quot;الشيطان الاكبرquot; الأميركي بدأ يعيد الى العراق قراره السيادي، فمن المأمول به ان يأتي quot;الدب الاكبرquot; الكندي بالعدالة الى بلاد تحلم بأن تتطلع اليها ملائكة الرحمة.
التعليقات