جاسم بودي


تم الاتفاق مبدئيا بين الجهات المختصة حكوميا وبرلمانيا على تفكيك وزارة الاعلام وتحويلها الى هيئات متخصصة في مجالات مختلفة... خطوة متقدمة كان لا بد ان تحصل منذ زمن بعيد لكن ما حصل حصل وها هي دول في الخليج وخارج الخليج سبقتنا الى إلغاء وزارة الاعلام بعدما كنا السباقين دائما في مجال الحريات الإعلامية تحديدا.
ومع ذلك نؤكد، وتؤكد المؤسسات الدولية المتابعة لحركة الاعلام، ان الكويت ما زالت رائدة عربيا في الحريات العامة بشكل عام وحرية الاعلام بشكل خاص، ويكتب قانونا المطبوعات والاعلام المرئي والمسموع في السجل الذهبي لصاحب السمو الامير الشيخ صباح الاحمد الذي اقام علاقة خاصة مع الحريات الاعلامية منذ كان مسؤولا عن وزارة الاعلام قبل عقود الى ان تبوأ المكانة القيادية الأعلى في الدولة مرورا بكل المحطات التي ترك بصمته عليها خصوصا في السياسة الخارجية.
صباح الاحمد رائد من رواد دعم الحريات الاعلامية في المنطقة، لكن حديثه عن هذه الحريات يقترن دائما بتشديده على المسؤولية العامة للاعلاميين تجاه بلدهم وأمنه ووحدة ابنائه واستقرار مجتمعه، وليس سرا انه دائما يواجه رؤساء التحرير بعتاب أبوي خصوصا في المفاصل الإقليمية التي يرى انها قد تنعكس سلبا على الكويت... وما اكثر هذه المفاصل في منطقة ملتهبة تكفيها شرارة واحدة لتشتعل وتنجب حرائق متنقلة.
لا جدال في أننا مع الانحياز المطلق للحريات الاعلامية بل للمزيد منها، وقد كنا طليعة laquo;المشاكسينraquo; من أجل قانون إعلامي أكثر تطورا، فالاعلام مرآة حضارية للدولة وسلطة رابعة تلعب دورا اساسيا في كشف الثغرات والخلل والقصور والتجاوزات وسرقات المال العام، وفي كشف الفساد والترهل الاداري، وفي عرض مظلومية الناس ومطالبهم المحقة بالنسبة الى مختلف الصعد الانسانية، وفي تعميق قيم الحرية والديموقراطية وحقوق الانسان، وفي تسليط الضوء على الايجابيات والسلبيات لنستفيد من دروسها، وفي نشر ما يقال عنا في التقارير الخارجية وما قد يكون محضرا لنا في المخططات الخارجية... ولكن هل الصورة وردية اعلاميا الى هذه الدرجة؟ وهل التزم الجميع قيم المهنة أم أن هناك من تجاوز هذه القيم فخرج من اطار المهنية الى اطر اخرى سياسيا وطائفيا ومذهبيا بقصد ام من دون قصد؟
بكل جرأة نقول ان تجربة الاعوام التي تلت صدور قانوني المطبوعات وlaquo;المرئي والمسموعraquo; شابها الكثير من التجاوز وصل حدود اللعب بالنار. وبكل جرأة نقول ان احداثا كثيرة عكست انقسامات اجتماعية ومذهبية كانت صدى لتوجيه اعلامي وغياب كلي (او تواطؤ) لوزارة الاعلام. صحيح ان الناس ليسوا من جنس الملائكة وان الطائفية معششة في قلوب وسلوك كثيرين، وصحيح ان القضاء كان وما زال الحصن الحصين لاستعادة الحقوق، وصحيح ان وسائل الاعلام تنقل بطريقتها الحالات التصعيدية ولا تقودها... لكن التجربة التي مررنا بها تستحق ان نقف طويلا عندها كأهل صحافة واعلام لنقيمها ونستخلص الدروس والعبر منها. ونقول اهل الصحافة والاعلام لاننا ادرى بشؤون بيتنا من جهة، ولاننا نرفض، من جهة اخرى، ان يفرض علينا من خارج بيتنا ما قد يعيق المزيد من الحريات.
تجربة وسائل الاعلام بعد صدور القانونين ليست طويلة كي يتم الحكم عليها لكنها تعطي مؤشرات الى مكامن الخلل وبدايات التصحيح. كل تجربة ديموقراطية نابعة من دولة مؤسسات ستصحح نفسها وقد بدأت عملية التصحيح بالنسبة الى السلطة الرابعة عموما والى بعض التوجهات خصوصا، لكننا يجب ان نلتقي على صيانة الثوابت والقيم تحديدا في هذا الظرف، وان يكون تفكيك وزارة الاعلام حافزا لنا على المزيد من الرقابة الذاتية والمسؤولية والموضوعية.
تفكيك وزارة الاعلام خطوة متطورة خصوصا اننا لم نعد نعرف ما هو دورها حقيقة. وزارة تتغاضى عن طوفان جارف من الممارسات المولدة لانقسامات مذهبية وقبلية واجتماعية وتضرب بيد من حديد منتصرة laquo;للثوابت والاخلاقياتraquo; اذا قبلت نملة في برنامج كارتوني من انتاج ديزني نملة اخرى. فلتتفكك، انما في الوقت نفسه لنتجمع نحن اكثر ونتحد اكثر من اجل تثبيت القيم... وكي نثبت اننا ابناء رسالة عمرها من عمر الكويت.