مصطفى زين
في أول أيار (مايو) 2003، وقف الرئيس جورج بوش وسط جنوده laquo;متلبساًraquo; ثياب طيار ليعلن انتصاره ونهاية المعارك في العراق. إعلان بوش كان كاذباً أو غبياً. وفي أفضل حالاته كان ادعاء إعلامياً للمحافظة على الروح المعنوية لجيشه ولطمأنة الرأي العام في الداخل وزيادة التأييد للحرب.
منذ ذلك التاريخ، أي قبل سبع سنوات من الآن، قتل مئات الآلاف من العراقيين وحوالى الخمسة آلاف جندي أميركي. وشرد الملايين. وأصبح العراق بؤرة لتفريخ الإرهاب ونقطة جذب لإرهابيين، بعضهم يدعي النضال للعودة إلى أيام الإسلام الأولى (كل يتصور تلك الأيام على طريقته). وبعضهم يستغل الوضع لمزيد من التخريب والتدمير(الإستخبارات الإسرائيلية في كردستان)، فضلاً عن دول ترى في العراق الموحد تهديداً مباشراً لأطماعها، واحتمالاً لاستعادة عروبة عملت طويلاً للقضاء عليها.
بدءاً من ذلك التاريخ الذي مهدت له سنوات من الحصار والعقوبات، تصدع العراق وأصبح العراقيون كيانات، لكل منها حصته في الدولة وفي النظام، ولكل منها جيشه. بعض هذه الجيوش تعاون مع الأميركيين ومعترف به رسمياً، مثل laquo;الصحواتraquo;، وبعضها خارج عن القانون (أي قانون؟) مثل laquo;جيش المهديraquo;، و laquo;عصائب أهل الحقraquo; المتحالفين مع إيران. أما الجيش الرسمي فموزع بين laquo;الكياناتraquo;، تخترقه الميليشيات والإستخبارات، ويعرقل عمله قادة سياسيون طموحهم الوحيد البقاء في السلطة.
في اختصار، حول الإحتلال العراق إلى دويلات فاشلة، مهما قيل عن الإزدهار والرخاء في كردستان. دويلات متصارعة ينخرها الفساد، يقايض زعماؤها استمرارهم في اللعبة السياسية بالمزيد من الولاء للخارج (الا يذكرنا هذا بلبنان؟). والمشكلة أن رحيل الجيش الأميركي عن بلاد الرافدين لن يعيد اللحمة إلى العراقيين، بل سيعمق الإنقسام بين الكيانات، وربما أدى إلى حروب مذهبية أهلية مؤشراتها ليست خافية على أحد. وقد أعرب عراقيون كثيرون عن خوفهم من هذه اللحظة، خصوصاً بعدما استعاد تنظيم laquo;القاعدةraquo; نشاطه في الأسابيع القليلة الماضية، وسط فراغ سياسي عنوانه الخلاف على رئاسة الوزراء، هل هي للشيعي نوري المالكي أم للشيعي المتحالف مع السنة إياد علاوي.
بعد سبع سنوات يغادر نصف الجيش الأميركي العراق. ويتحول نصفه الآخر إلى الأعمال laquo;الخيريةraquo;. لم يسفر عن الإحتلال طوال هذه السنوات، سوى الدمار والخراب. ولم تستطع الولايات المتحدة فرض سلامها، لا في بغداد ولا في الشرق الأوسط. ولم تنقل تجربتها وثقافتها إلى هذه المنطقة التي تحولت إلى أرض خصبة laquo;للنهوض الإسلاميraquo; المتنامي في غير بقعة منها، فضلاً عن تهيئة الأجواء لتمدد النفوذ الإيراني والتركي والإسرائيلي.
كان صدام حسين ديكتاتوراً. لكن laquo;ديموقراطيةraquo; الكيانات المذهبية التي أرساها الإحتلال أسوأ.
التعليقات