داود الشريان


قبل سنوات شهدت الساحة الإعلامية في دول الخليج، وربما في بلدان عربية أخرى، موجة رفض للمسلسلات التلفزيونية المصرية، بحجة أنها تعالج قضايا لا تهم المشاهد خارج مصر، وتبالغ في تصوير أحوال مجتمعها، وتشوّه حياة المصريين. وكان رأي بعض النقاد أن مشاكل ندرة المساكن، وتفشي الفقر، والبطالة، وتدني الأجور، واختلال العلاقات الإنسانية، وانتشار ظاهرة الزواج العرفي، والطلاق، والمخدرات، بعيدة كل البعد من هموم مجتمعات دول الخليج العربي التي لا تعرف هذه المشاكل.

هذا الرأي ساد في بداية السبعينات من القرن العشرين. في تلك المرحلة كانت مجتمعات الخليج تضع أولى خطواتها نحو تأسيس البنية التحتية للمدن، والدخول الى حياة صاخبة ومعقدة. وكانت الدراما الخليجية، في تلك الأزمنة، تشبه أهلها، متواضعة الإمكانات: بسيطة، وادِعة، خالية الذهن، وربما ساذجة في كثير من الأحيان، وتلقائية الفعل. وخلال أقل من ثلاثة عقود تغيّرت أحوال أهل الخليج، جاء الأجانب من كل حدب وصوب، وتطورت أساليب الحياة، وزاد عدد المتعلمين والمتعلمات، وظهرت على الناس أعراض المدن، واختلط الفقر بالغنى والفساد، والبطالة بالمخدرات والجريمة، وتوارت صورة البدو والبحارة. بدأت أحداث الدراما الحقيقية تتشابك على نحو مثير.

لا شك في أن الدراما التلفزيونية في الخليج لم تصل الى مستوى دراما الواقع، وربما شوَّهت صورتها. الحياة اليومية في دول الخليج تجاوزت البساطة والتبسط، لكن الدراما التلفزيونية لم تفعل، وهي تعيش حالاً من التناقض والخلل، يتنازعها خاطران: حنين مفتعل، وربما ساذج، الى الماضي، ومبالغة مفرطة في تصوير الواقع. وهي أصبحت بحاجة الى نقلة تقرّبها من أهلها مجدداً. فهل الأزمة في حرية التناول، وحساسية المجتمعات إزاء تسمية الأشياء بأسمائها، أم في إهمال المؤسسات الثقافية تطوير هذا الفن؟

الفن عموماً يعاني إهمالاً في دول الخليج. فضلاً عن ان المجتمع ما زال يتعامل مع فن الدراما من دون ان يعطيه، أو يعترف بدوره وفضله، والمسؤولية هنا عامة. لا بد ان تلتفت الدول الى هذا الفن، وعدم الاكتفاء باستنساخ تجارب الآخرين. لا بد من معاهد، ومسارح، واعتراف عملي بدور مؤسسة الفن.