علي سويدان

إنْ صدقت الأيام وكان تنظيم laquo;القاعدةraquo; وراء ضرب أميركا في عمق بلادها، واستهداف برج التجارة العالمي، فلماذا استهدفت laquo;القاعدةُraquo; ذلك البرج تاركة أهم عدو للأمة العربية والإسلامية وهو إسرائيل؟ هكذا وبكل حماسة وشعور بالنشوة، انساق كثير من شباب العرب في ثمانينات القرن المنصرم نحو فكرة تحرير القدس عن طريق قيام دولة إسلامية في كابول؛ وتوافرت في تلك الآونة عناصر واقعية عدة رسمت في أعين الكثير حُلمَ تحرير القدس، ولكن مادامت الحدود مطوَّقةً حول اسرائيل فلابد من (الجهاد) هناك في جبال أفغانستان، هذا ما انساق به آنذاك كثير من المتدينين العرب، بينما ينام عدد آخر من شباب العرب والمسلمين في مسلسلٍ يومي من الإصلاح والجري وراء تقويم الفرد من أجل مجتمع صالح، ومن ثَمَّ دولة صالحة، تاركين وراءهم هَمَّ المقاومة في تخوم فلسطين، وجنوب لبنان، ومرتفعات الجولان، على جيوش عربية ساكنة، ونحن اليوم لم نبتعد كثيراً عن الأمس لأن فلسفة التفكير عندنا هي ذاتُها مع تعديل بسيط على قصّات الشعر وموضات الملابس وموديلات السيارت ولا ننسى (الموبايل)، ليرث العربُ في بلادهم مشكلة العائدين من (بلاد الجهاد) وما عرفوا بـ(الأفغان العرب)، أما اليوم فمازلنا نحب القتال والعنف خصوصا حين يكون العدو من بني جلدتنا، هناك في أفغانستان اختلف (المجاهدون) بعد انسحاب القوات الروسية وبدأ التناحر بينهم ليختموا (جهادهم) بمأساة سببها نمط تفكيرهم، والقصة تعيد نفسها في استعداء الغرب والاحتقان الذي نسقيه بعنفوان الهمجية في التفكير، وعدم الاستماع للغير، والرغبة الملحَّة في اتهام الآخر.
نحن العرب قصة مؤسفة في عالم الحقيقة، طاقاتنا وقوتنا لا تحكمها الحكمة والروية، وبعيدة كل البعد عن هدوء النفس واطمئنان الروح، إن الاعتدال في الفكر هو بداية الاعتدال في السلوك وهو صفة دعا إليها الدين وحثَّ عليها العقلاء، فكيف بنا نُصِرُّ على لغة العنف بيننا واختصار مبدأ الجهاد في صورة واحدة من صوره وهي القتال، لعلنا في أمس الحاجة للقتال ولكن في مكانه الصحيح وطريقته السليمة، لا أن نتصدَّر للقتال أفراداً وجماعات ضدَّ مَنْ استعديناه نحن ولم يعتد علينا؛ كقتال بعض شباب العرب في أفغانستان ضد الروس تاركين اسرائيل تتمختر في فلسطين، أو كتعنت العراقِ تجاه إيران وافتعال مشكلة معها وتمزيق اتفاقيةٍ للحدود لاستعداء إيران والدخول في حرب ضارية، ربما هي شحنة من الغضب لا نعرف كيف نوجِّه طاقتنا فتحيد بنا إلى طُرُقٍ وعرة نجر بها أمتنا أعواما وأعواما إلى الوراء، هل هي الحماسة والطاقة المهدورة فقط، أم هو العقل الْمُغَيَّبُ بتسرعنا وبسوء تصرفنا، وإلاّ كيف نفسر حالةً من الاحتقان الدائم والتوتر المستمر بين بعض دولنا العربية، وكيف نفسر تنافساً مقيتاً بين الأحزاب والجماعات داخل دائرة الوطن الواحد، وما تفسير أن يحمل الأشقاء السلاح ضد بعضهم ويريقوا دماء بعضهم في فلسطين؟ حاجةٌ أكثر من ماسة لإعادة النظر في فلسفة التفكير عندنا تجاه الآخرين، وترفُّع نأمل أن نراه في شخصياتنا عن حالة من الشعور بـ (الأنا)، وياليت المشكلة تقف عند حد (الأنا)، بل (أنا) ولا أحد غيري! حين نضع أولوياتنا أمام أعيننا بترتيبٍ حقيقي لتسلسلها حسب مصلحة الأمة لا حسب فلسفة ضيقة الأفق عديمة الألوان، بذلك يمكننا أن نخرج من قوقعة ميتة صبغناها فترةً بلون الدين وفترةً بلون العروبة، آن لنا أنْ نعي ما حولنا لنرى العالم بألوانه الصادقة أفضل بكثير من أنْ نسافر إلى كابول، والقدس على مرمى حجر منا! رمضان كريم.