الكويت - حمد الجاسر

تأكيد وزير النفط الكويتي الشيخ أحمد العبدالله الصباح الأسبوع الماضي أن الكويت والعراق laquo;توصلا الى اتفاق أولي في شأن تقاسم حقول النفط الحدودية وللسماح لشركة نفط عالمية بتطويرهاraquo;، قد يعطي انطباعاً بأن البلدين يوشكان على خطوة كبيرة الى أمام في مجال التعاون ونسيان الماضي. غير ان مصدراً نفطياً كويتياً قال لـ laquo;الحياةraquo; إن في هذا الملف من التعقيدات الفنية والامنية والسياسية ما لا يجعل تنفيذه بالسهولة التي أوحت بها تصريحات الوزير.

وكانت وكالة laquo;رويترزraquo; نقلت عن الشيخ احمد أن الاتفاق يتضمن اختيار شركة عالمية للتنقيب عن النفط في تلك الحقول لمصلحة كلا البلدين، لكنه اوضح أنه لم يجر بعد اختيار اي شركة. وقال ان البلدين laquo;اتفقا من حيث المبدأraquo;، وان الجانب الكويتي laquo;وقع الاتفاق الذي قد يوقعه الجانب العراقي هذا الاسبوع أو الاسبوع المقبلraquo;. وأضاف ان الاتفاق laquo;سيعمل بتجنب أي مزاعم مستقبلية بأن أياً من البلدين يفرط في استغلال الحقول المشتركةraquo;.

وكما الحال بين كثير من الدول، تمتد حقول نفطية على جانبي الحدود الكويتية - العراقية، التي رسمت بقرار أصدرته الأمم المتحدة عام 1993، وافق عليه العراق رسمياً وتتمسك به الكويت، لكن ساسة عراقيين وبعضهم في الحكومة لا يفتؤون من حين الى آخر يشككون في laquo;عدالة الظروف التي رسمت فيها الحدودraquo;. ويدعون الى اعادة التفاوض في شأنها، وهو أمر قد يطرأ على أي اتفاق نفطي مستقبلاً.

في شمال الكويت، مجموعة من الحقول النفطية أهمها laquo;الروضتينraquo; و laquo;بحرةraquo; و laquo;الصابريةraquo;، وفي جنوب العراق حقول laquo;الزبيرraquo; و laquo;القرنةraquo; و laquo;جزيرة مجنونraquo;، وهناك حقل مهم يمتد في اراضي البلدين من الشمال الى الجنوب، ويقع الى الغرب من منفذ صفوان العبدلي الحدودي، يسميه الكويتيون laquo;الرتقةraquo; ويسميه العراقيون laquo;الرميلةraquo;. والاتفاق على هذا الحقل اهم صعوبات التعاون النفطي الذي تحدث عنه الوزير العبدالله. ومعروف ان الرئيس العراقي السابق صدام حسين، اتخذ من الملف النفطي مدخلاً لمشروعه غزو الكويت عام 1990، حين اتهم الكويتيين بأنهم يسرقون نفط العراق عن طريق الحفر الافقي تحت الارض.

وعلى رغم التحسن المهم في العلاقات بين البلدين بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، وتبادل السفراء، فإن منطقة الحدود لا تزال تشهد من حين الى أخر حوادث اطلاق نار وتسلل، فيما ينظم عراقيون تظاهرات مضادة للكويت.

وتتخذ الكويت اجراءات أمن مشددة جداً على امتداد الشريط الحدودي، اقامت موانع كثيرة تشمل خندقاً حدودياً وانبوب حديد عائقاً للسيارات، وسوراً مكهرباً وأبراج مراقبة بصرية وحرارية. كما أقامت الكويت منفذاً وحيداً لعبور المدنيين والبضائع الى العراق، وهناك منفذ عسكري خاص بالقوات الغربية العاملة في العراق والتي لها قواعد لوجستية ضخمة في الكويت وتتخذ ميناء laquo;الشعيبةraquo; في جنوب الكويت منفذاً استراتيجياً لحركة نقل المعدات العسكرية من العراق وإليه.

مصدر في الصناعة النفطية الكويتية قال لـ laquo;الحياةraquo; ان أي تفاهم على تلك الحقول الحدودية laquo;اذا تجاوز العقبات الســـياسية والامنيةraquo; سيـتضمن laquo;تعقيدات فنية وعملية كثيرة لا يمكن التغلب عليها الا بدرجة عالية من التوافق والثقة بين حكومتي البلدينraquo;.

وقال ان تجربة الكويت في التعاون النفطي مع السعودية وlaquo;هي دولة لها اوثق الصلات مع الكويت، مما لا تمكن مقارنته بحال العراقraquo;، أظهرت ان التفاصيل التنفيذية للانتاج المشترك للنفط laquo;تستغرق سنوات من التفاوض والتنسيق كي يُنجز التفاهم حولهاraquo;.

وكان ترسيم الحدود بين الكويت والسعودية عام 1922 ترك ما سمي laquo;المنطقة المقسومةraquo; ومساحتها أربعة آلاف كيلومتر مربع من دون اتفاق، وحين ظهر النفط هناك في حقل laquo;ام قدير الشرقيraquo; البري، وحقل laquo;الخفجيraquo; البحري، اتفقت الكويت والرياض على تقاسم الانتاج النفطي في laquo;المنطقة المقسومةraquo; مناصفة، واستمر هذا الاتفاق حتى الآن مع ان هذه المنطقة لم تعد موجودة، إذ سوى اتفاق عام 1968 سيادة الدولتين عليها فذهب نصفها الشمالي للكويت ونصفها الجنوبي للسعودية.

اتفاق القسمة النفطي السعودي - الكويتي تضمن الاتفاق مع شركة انتاج اجنبية (شركة الزيت العربية المملوكة لليابان) على ادارة عمليات الانتاج، على ان توزع بالتساوي فرص العمل للمواطنين الكويتيين والسعوديين فيها، لجهة العدد والرواتب، وان يتناوب على رئاسة الشركة مدير سعودي وكويتي كل ثلاث سنوات. وتدير شركة نفط الخليج (KGOC) منذ 6 سنوات حقوق الجانب الكويتي، بينما تتولى شركة متفرعة عن laquo;ارامكوraquo; مصالح الجانب السعودي.

ويستبعد المصدر ان تكون هناك ادارة عمليات نفطية مشتركة بين الكويتيين والعراقيين laquo;بالسلاسة القائمة بين الكويت والسعودية، وذلك للأسباب التاريخية والسياسية المعروفة ولو استعين بشركة أجنبية لادارة الانتاجraquo;.

وكان العراق وقع أخيراً اتفاقات مع شركات اجنبية لتطوير حقوله الجنوبية، بينها laquo;بي بيraquo; البريطانية، وقال المصدر النفطي الكويتي: laquo;بي بي (بريتش بتروليوم) كانت تقوم، حتى سنتين مضتا، باستشارات لنا في حقول الشمال (الكويتية) وهي الآن وقعت مع العراق اتفاقاً في شأن بعض حقوله الجنوبيةraquo;. وسأل: laquo;هل ستستخدم المعلومات الخاصة بالحقول الكويتية لغير مصلحتنا في مفاوضات تقاسم النفط مع العراق مستقبلاًraquo;؟

وكشف ان شركات نفط عاملة في العراق قدمت طلبات الى الحكومة الكويتية لتأمين منفذ حدودي خاص بها لعبور افرادها ومعداتها من الموانئ الكويتية الى العراق، الأمر الذي سيثير حساسيات كثيرة لأسباب امنية وسيادية.

وأعلنت الحكومة الكويتية أخيراً مشاريع طموحة لتطوير مناطق شمال الكويت صناعياً وإسكانياً، وبناء موانئ في جزيرة laquo;بوبيانraquo;، ما قد يساعد في إرساء تعاون اقتصادي ونفطي واسع مع العراق. لكن سياسيين مستقلين وكثيرين من أعضاء مجلس الامة (البرلمان) الكويتي، يشككون في سلامة التوجه الحكومي نحو مزيد من التقارب مع العراق الذي لا يتوقعون ان يتمتع باستقرار في السنوات المقبلة، خصوصاً بعد الخروج الاميركي منه وتزايد النفوذ الايراني فيه، واستمرار الحساسيات الأمنية والمذهبية في المنطقة.