شفيق الغبرا

بعد عشرين عاماً على اجتياح الكويت يشعر العراق كما تشعر الكويت بالكثير من الإنهاك. لكل إنهاك أسبابه، إذ يعود في كلا البلدين في جانب منه لما وقع عام 1990. لقد أرهقت تلك التجربة الأليمة البلدين وما زالت تساهم في ذلك بعد مرور عشرين سنة.

ما وقع عام 1990 دمر الكويت اقتصادياً وإنسانيا كما أنه دمر العراق بسبب حرب تحرير الكويت ثم بسبب العقوبات الطويلة المرتبطة بها. وبينما انتقل من الكويت بسبب صدام وغزوه ثم بسبب رد الفعل الكويتي بعد تحرير الكويت والمرتبطة بموقف منظمة التحرير آنذاك، زهاء نصف مليون فلسطيني كانوا يمثلون عصبا رئيسيا للحياة الاقتصادية والإدارية والثقافية للكويت، ما أضعف بنية الكويت على مستويات كثيرة، نجد في المقابل أن العراق أبان عام 1990 ثم في السنوات المقبلة كل قدرته على جذب القدرات العربية والعالمية ورؤوس الأموال والخبرات وسط عزلة خانقة وهجرة كفاءات.

لقد بدأت الكويت أعمال إعادة البناء وإعادة البلاد إلى سابق عهدها عام 1991، لكن المعوقات الإدارية والسياسية والهاجس الأمني الذي سيطر على البلاد ساهم هو الآخر في وضع حدود للكفاءة والتنمية. لهذا تعطل مشروع التنمية في الكويت طوال عقد التسعينيات من القرن الماضي، مما ساهم في نمو متسارع لقوى المعارضة والاحتجاج في البرلمان وخارجه.





فقد سيطر شعور سلبي بين الكثير من المواطنين مصدره عدم قدرة الكويت على استعادة تلك الحقبة الذهبية التي ميزتها في السبعينيات والثمانينيات وقبل عام 1990. هكذا ارتفعت الأصوات محمّلة الحكومة مسؤولية التراجع. المأزق السياسي اليوم في الكويت يعود في شكل من الأشكال إلى تداعيات ما وقع عام 1990 من اقتلاع للنظام بواسطة الاجتياح المفاجئ، ثم من عودة للنظام في ظل تمسك المجتمع بشرعيته وفي ظل الحرب التي هزمت النظام العراقي عام 1991، ثم ارتفاع وتيرة المساءلة بين المواطنين والبرلمانيين بفضل طبيعة التحديات التي برزت بعد هذا العام، ثم صعوبة استعادة قدرات الكويت التنموية والمتقدمة، كما كانت في الزمن الذهبي، ويتم كل ذلك في ظل بروز أجيال جديدة تحمل هموماً وتصورات مختلفة.

أما في العراق، فبعد حرب تغير النظام العراقي عام 2003، انتهى الأمر بحرب أهلية وصراع كبير بين القوى الرئيسية السياسية والطائفية، وارتفعت حدة الصراع الداخلي كما ارتفعت حدة الصراع مع الولايات المتحدة، كما ارتفعت حدة التدخلات الإقليمية بالإضافة إلى الأميركية.

لا يزال العراق يبحث عن نفسه وسط ضياع كبير ويتصارع على تركيبته الداخلية دون أن ينجح في الارتقاء إلى صيغة مقبولة. ولا تزال الكويت، حتى يومنا هذا، تسعى نحو التنمية من دون أن تحققها بالصيغة التي تريدها.

اليوم كلا البلدين يحاول التعامل مع تبعات التاريخ والبحث عن المستقبل.

ويسجل لمصلحة الكويت أنها هرعت بسرعة إلى العراق بعد تغير النظام العراقي عام 2003 في محاولة لبناء العلاقات التجارية والاقتصادية والسياسية. لكن الحالة الأمنية عادت وعكرت الإمكانات ودفعت باتجاه هروب الاستثمارات.

العراق سيخلق استقراره، فهو لن يبقى في موقع صراع مفتوح كما هو حاله اليوم. ويسجل لمصلحة العراق أن نظامه السياسي ممثلاً بحكوماته المختلفة تعاملت بنضج مع الكويت كما تعاملت الكويت بنضج مع الواقع الجديد في العراق.

لكن هناك أمورا معلقة في إمكانها أن تعكر صفو العلاقة بين البلدين. إن مسائل كالديون والتعويضات في إمكانها أن تخلق أزمة بين البلدين خاصة بعد الانسحاب الأميركي من العراق. إيجاد حل متوازن وتنموي شرط أساسي لحل هذه القضايا المعلقة.

ونتساءل عن إمكان بناء مناطق حرة بين العراق والكويت تسمح للعراق بحل مشكلته المائية بما يتناسب واحتياجات البلدين. المناطق الحرة بهدف التجارة والاقتصاد أمر انتشر بين دول العالم، سيكون هذا أفقا مفيداً لكلتا الدولتين.

يبقى السؤال بعد مرور عشرين سنة على واحدة من أسوأ كوارث العرب، هل في إمكان كل من الكويت والعراق الاتفاق على ما يساهم في بدايات جديدة لبناء مصالح اقتصادية وتجارية وإنسانية بين البلدين؟ ولكن ماذا بعد أن يخرج العراق من الفصل السابع وبعد أن تنسحب الولايات المتحدة، هل تتغير المواقف ويعود العراق طارحاً أن ظروفاً قاهرة هي التي فرضت عليه القبول بما يقبل به؟ على الأغلب سيسعى العراق في المرحلة اللاحقة لتعديل الاتفاق على الحدود والتعويضات.

لكن السؤال الأكبر: هل تستبق الدولتان تغير الظروف فتقع بينهما مبادرة تحقق تقدماً قابلاً للصمود والبقاء بعد أن تتغير الظروف؟ هل في إمكان خطوة الألف ميل بين البلدين أن تبدأ بخطوة استراتيجية تسجل كإنجاز لقادة البلدين في المدى المنظور؟ هل يمكن تحقيق ذلك على رغم الأزمة التي يعيشها العراق على المستوى السياسي والأمني وعلى رغم الأزمة التي تعيشها الكويت على المستوى التنموي والسياسي؟

أستاذ العلوم السياسية - جامعة الكويت

ينشر بترتيب مع laquo;مشروع منبر الحريةraquo;