سلام الشماع
القوة لا تحفظ أمناً والفيالق العسكرية لا تقوى على زرع الاستقرار في أي بلد أو تديم الاحتلال فيه، ومن آيات الخيبة الكبرى للقوات الأمريكية في العراق أنها اضطرت بفعل ضربات أبناء العراق إلى الهزيمة من أرض (يأجوج ومأجوج) على حدّ تعبير بوش، في وقت تصاعدت الاغتيالات والمفخخات وكواتم الصوت والجثث مجهولة الهوية وعمليات السطو على المتاجر الكبرى ومكاتب تحويل الأموال والصاغة والاختطافات والاغتصابات واقتحام بيوت المسؤولين الصغار في أجهزة الدولة وقتلهم على يد مسلحين مجهولين، إلى معدلات غير مسبوقة..
لقد عاد ذلك كله إلى الشارع العراقي بنحو أفظع مما كان عليه سابقاً.
ويتوقع مراقبون أن تتصاعد أعمال العنف في العراق إلى أعلى درجاتها، فكل ما يجري في العراق هو عكس الادعاءات التي سوغت للمحتلين غزو بلاد ما بين النهرين فلا ديمقراطية انتشرت، ولا شعاعها عمّ المنطقة، وأصبح من يتظاهر ضد انقطاع الكهرباء تواجهه قوات مكافحة الشغب وتعتقله، ولا شفافية، بل فساد وسرقات، ثم لا أسلحة دمار شامل ولا تعاون مع القاعدة ولا حرص على وحدة الأراضي العراقية، وأخيراً لا يأجوج ومأجوج.
ونعود إلى المؤلف الفرنسي جان كلود موريس المراسل الحربي لصحيفة (لو جورنال دو ديماش) الذي يرى أن الموقف الفرنسي الرسمي والشعبي كان واضحاً في معارضته للحرب ضد العراق، ومنزعجاً من محاولات بوش الغبية لتبرير حربه على العراق وربطها بالنبوءات الكهنوتية المتعصبة.
ويكمل روايته: لم يصدق شيراك أذنه عندما اتصل به بوش قبيل الحرب على العراق بأسابيع، ليقنعه بالتراجع عن معارضته الشرسة، مؤكداً له مرة أخرى أن هذه الحرب تستهدف القضاء على (يأجوج ومأجوج)، اللذين يعملان على تشكيل جيش إسلامي من المتطرفين في الشرق الأوسط لتدمير إسرائيل والغرب، وكم كانت دهشة (شيراك) عظيمة عندما سمع (بوش) يخبره في مناسبة أخرى عبر الهاتف، ويقول له حرفياً (أنه تلقى وحياً من السماء لإعلان الحرب على العراق، لأن يأجوج ومأجوج انبعثا من جديد في العراق، وهو في طريقه لمطاردتهما، لأنهما ينويان تدمير الغرب المسيحي)، وشعر (شيراك) حينها بالخجل والفزع من هذا التبرير السخيف، ومن هذه السذاجة والصفاقة، لكنه لم يكن يتصور أبداً، إن تطرف بوش وميوله الدينية نحو تحقيق نبوءات التوراة على ارض الواقع، يقودانه إلى ارتكاب مثل هذه الحماقات التاريخية الكارثية، وازدادت مخاوف (شيراك) عندما صار (بوش) يعيد تكرار الإشارة إلى (يأجوج ومأجوج) في مؤتمراته الصحافية والسياسية.
يقول المؤلف موريس: إن (جاك شيراك) وجد بنفسه حاجة إلى التزود بالمعارف المتوفرة بكل ما تحدثت به التوراة عن يأجوج ومأجوج، وطالب المستشارين بمعلومات أكثر دقة من متخصصين في التوراة، على أن لا يكونوا من الفرنسيين، لتفادي حدوث أي خرق أو تسريب في المعلومات، فوجد ضالته في البروفسور (توماس رومر)، وهو من علماء الفقه اليهودي في جامعة (لوزان) السويسرية، وأوضح البروفسور: إن يأجوج ومأجوج ورد ذكرهما في سفر (التكوين)، في الفصلين الأكثر غموضاً، وفيهما إشارات غيبية، تذكرأن يأجوج ومأجوج سيقودان جيوشاً جرارة لتدمير إسرائيل ومحوها من الوجود، وعندئذ ستهب قوة عظمى لحماية اليهود، في حرب يريدها الرب، وتقضي على يأجوج ومأجوج وجيشيهما ليبدأ العالم بعدها حياة جديدة)، ثم يضيف المؤلف: أن الطائفة المسيحية التي ينتمي إليها بوش، هي الطائفة الأكثر تطرفاً في تفسير العهد القديم (التوراة)، وتتمحور معتقداتها حول ما يسمى بالمنازلة الخرافية الكبرى، ويطلقون عليها إصطلاح (الهرمجدون)، وهي المعركة المنتظرة، التي خططت لها المذاهب اليهودية المتعصبة، واستعدوا لخوضها في الشرق الأوسط، ويعدّونها من المعارك الحتمية الفاصلة، وكان سفهاء البنتاغون، الذين امتلأت قلوبهم بالحقد والكراهية، ضد الإسلام والمسلمين، وشحنت صدورهم بروح الانتقام، يجهدون أنفسهم بمراجعة الكتب السماوية المحرفة، ويستمعون إلى هذيان الحاخامات والقساوسة والمنجمين. فتراهم منكبين على تفسير النصوص الإنجيلية والتوراتية المزيفة. يساندهم في هذه المهمة الغبية فريق متكامل من السحرة والمشعوذين. ويستنبطون سيناريوهات حروبهم الاستعلائية والاستباحية، والتلمود والزوهار والطاروط. ويستشهدون بها في خطاباتهم وحملاتهم الإعلامية. ويعتمدون عليها في صياغة بيانات معركة)الهرمجدونArmageddon) قبل وقوعها، و(الهرمجدون) كلمة عبرية مكوّنة من مقطعين. (هر) أو (هار) بمعنى جبل، (مجدون): اسم واد في فلسطين. يقع في مرج ابن عامر، وكلمة (هرمجدون) تعني: جبل مجدون.
إنهم لم يعثروا على يأجوج ومأجوج في بابل لكنهم يزعمون أنهما فرّا هربا نحو الشرق ويتنقلان الآن بين إيران وأفغانستان وباكستان، وربما سيسوّغ أوباما هزيمة قواته في العراق بهذه الذريعة المستقاة من كتاب سماوي مزيف أو محرف، ولكننا لن نفقه أسرار غزو العراق قبل أن نعرف ماذا تعني (هرمجدون)..
التعليقات