سعد بن طفلة

laquo;تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَraquo; - قرآن كريم.

معركة الجمل تدور رحاها في القرن الحادي والعشرين. الواقع أن المعركة لم تتوقف ومستمرة منذ القرن السابع. فضائيات وكتاب ومشايخ وندوات ومهرجانات ومجالس دينية وحلقات كلها تدور حول السيدة عائشة بنت أبي بكر الصديق زوجة الرسول (صلى الله عليه وسلم) هذه الأيام. معتوه يسبها بأقذع الألفاظ، وموقع يصفها بكل مشين، وفضائية تسهب في قذفها بما يعف اللسان عن ذكره. وآخرون ينبرون للدفاع عنها. فريقان يسنون سكاكينهم، ويصقلون سيوفهم استئنافا لمعركة صفين.

المعركة لم تتوقف لأن التاريخ لم يكتَب، تاريخنا سرده من شاهده، وسجله من نقل عمن سمع الذي سمع ممن سمع من شاهده.

تشعر بحزن عمره أربعة عشر قرنا من الزمان أو يزيد. الناس في فرحة وعيد، والملايين من البشر المسلمين معدمون تماما في باكستان. كانوا فقراء معوزين، لكنهم أصبحوا لا يملكون سوى ما يلبسون، وما يستر عوراتهم من ثياب بالية رثة. تمر بالقرب من المأساة، مسيرة للآلاف من الشيعة في يوم القدس، فيفجر انتحاري نفسه بين الجموع ويقتل العشرات ويجرح المئات.

وتستمر معركة عائشة:

الصومال يحترق منذ عقود، والسودان في طريقه للتقسيم، واليمن على وشك العودة للتقسيم مجددا، والعراق بلا حكومة، وأبو درع عاد إلى بغداد ليثأر للحسين، وأتباع الزرقاوي له بالمرصاد في بغداد وسينتقمون لعائشة!!

في بيروت، سكين غرسها رئيس الوزراء سعد الحريري في قلب السيد حسن نصر الله - زعيم حزب الله (لاحظ اسم الحزب) - وأمعن في غرسها وزاد على الجرح ملحا (لاحظ اللغة). كان حزب الله قد أشعل بيروت الغربية قبل سنتين، ويهدد بإشعالها ثانية لو اتهمته المحكمة الدولية باغتيال الحريري! إيران بدورها هددت عدة مرات بإشعال الخليج لو هاجمتها إسرائيل! آخر تهديد لرئيسها المنتخب نجاد هو بتدمير إسرائيل لو هاجمت إيران!! نتساءل: لماذا الانتظار حتى تهاجمك إسرائيل كي تقوم بتدميرها؟

في المقابل، تستمر السيارات المفخخة بالانفجار الواحدة تلو الأخرى في عراق لا يزال سياسيوه يراوحون منذ شهور في مسألة تشكيل الحكومة.

المعركة حمى وطيسها في الكويت، نواب يطالبون بسحب جنسية متخلف موتور هرب إلى لندن، وآخرون يرفضون سحب جنسيته والاكتفاء بالمطالبة به عبر الإنتربول ومحاكمته، وتهديدات نيابية بمساءلة برلمانية، وأبسط القضايا الرياضية ما زالت تتعثر أمام كافة الحلول: أحكام قضائية، وقوانين برلمانية وقرارات سياسية!

الأمة كلها تتابع معركة عائشة، رغم أنهم laquo;أمة قد خلتraquo;، ولكننا نخوض المعركة نيابة عنهم. أحياء يدافعون عن الأموات، وآخرون يلطمون ويبكون على من ماتوا قبل قرون ويتوعدون بالثأر لهم!!

أية أمة هذه التي قررت أن يتوقف التاريخ عند أحداثها التاريخية؟ أي طفل يمكن أن تفرزه هذه الثقافة؟ أي عيد يمكن أن يفرح فيه المسلمون هذه الأيام؟ المعركة في أوجها، واللهب تتلاطم ألسنته من أفغانستان إلى الصومال. لم يبق في هذا العالم حروب سوى حروب عالمنا الإسلامي العتيد: باكستان - أفغانستان - إيران - العراق - لبنان - فلسطين - السودان - الصومال - الصحراء المغربية... الخ.

كل الحروب التي اشتعلت أشعلتها المؤامرات والغزوات وأعداء العروبة والإسلام - هكذا نعتقد اعتقادا راسخا، لكن معركة عائشة معركتنا نحن وبأيدينا أضرمنا لهيبها وسنكتوي جميعا بنارها، ألم نقل إن أعداء الأمة ينشدون تفتيتنا وتشرذمنا وإدخالنا في حروب طائفية ومذهبية لا تبقي ولا تذر؟ ألم نكرر أن laquo;المؤامرةraquo; تحاك لإضرام نيران الفتن الشيعية - السنية التي ستشتعل سنين طوالا بلا هوادة؟ إذن: لماذا نقود أنفسنا نحو المذبح مع سبق الإصرار والجهل والتخلف؟

وكل عام وأنتم بخير.