انس زاهد

لا شك عندي أن القائمين على الفيلم التسجيلي القصير (أوباما: أطلق حميدان) كانوا مدفوعين بمشاعر نبيلة تنم عن نوايا طيبة للغاية. لكن النوايا الطيبة لا تكفي لأداء مهمة صعبة كمهمة مخاطبة الغرب بهدف كسب تعاطفه حول قضية بعينها. وصدق المثل الذي يقول: (الطريق إلى الجحيم مفروش دومًا بالنوايا الطيبة). معظمنا كسعوديين، مقتنعون بأن المواطن السعودي حميدان التركي الذي أدانه القضاء الأمريكي، هو شخص بريء. ومعظمنا أيضًا، اشتم رائحة طبخة خبيثة كانت وراء قرار الاتّهام الذي صدر بحق التركي. لكن اعتقادنا شيء وأسلوبنا في إقناع المعنيين بقناعاتنا وقضايانا، شيء آخر تمامًا. الشريط المذكور قفز على القوانين والأعراف المتبعة لدى الدول المؤسساتية المعروفة بفصلها للسلطات، وخاطب الرئيس الأمريكي باراك أوباما شخصيًّا، مطالبًا إيّاه باتخاذ قرار تاريخي (على طريقة القرارات التي يتخذها الزعماء العرب) بالإفراج عن السجين السعودي حميدان التركي! ولا أدري إن كان القائمون على إعداد الشريط يعرفون أن الموضوع برمته لا يقع ضمن اختصاصات الرئيس الأمريكي الذي ناشدوه اتخاذ قرار بالعفو عن التركي؟، ولا أدري إن كان هؤلاء يدركون أن الأحكام القضائية تقع خارج نطاق سلطة رئيس الجمهورية الذي طالبوه بما يعجز عن القيام بفعله؟! إن رئيس الجمهورية في الأنظمة الغربية هو مجرد رئيس لسلطة واحدة هي السلطة التنفيذية. ومن المعروف أن السلطة التنفيذية في ظل نظام فصل السلطات المتبع في الدول الديمقراطية، لا تعتبر المرجعية الأولى. فهناك بالإضافة إليها كل من السلطة القضائية، والسلطة التشريعية. وفي بعض الأحيان تعمل السلطة القضائية على استخدام صلاحيتها في مساءلة رئيس السلطة التنفيذية نفسه. وهو ما حدث في الولايات المتحدة إبّان فترة حكم الرئيس الأسبق بيل كلينتون الذي وجهت له المحكمة تهمة إقامة علاقة غير شرعية مع إحدى موظفات البيت الأبيض (مونيكا لوينسكي). كل هذا كان لا بد وأن يدور في خلد صانعي الشريط الذين ناشدوا الرئيس أوباما إطلاق سراح التركي، وكأنه يمتلك هذا الحق! والأدهى أن هؤلاء حاولوا استعطاف الرئيس الأمريكي حين أصروا على مخاطبته -دون داعٍ أو مبرر- باسمه الثلاثي! أوباما لا يملك الحق في إطلاق حميدان؛ لأنه لا يمتلك الحق في سجنه أصلاً.