أحـمـــد المــــلا
ظهر أناس قديماً ينادون بحرية الفكر، يريدون أن يصبح الإنسان حراً في التعبير ومنطلقاً في التفكير، لا يعارضه أحد فيما يقول أو يكتب من باب الحرية الفكرية، وكي لا يجد مضايقة من أحد، ولما وقعت فتنة القول بخلق القرآن وتصدى لها إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله وقف هؤلاء ضده وصادروا رأيه وسلبوه حريته في التعبير وجلدوا ظهره لأنهم هم الذين تبنوا القول بخلق القرآن.
لذا فإن حرية الرأي تنعدم في صروحه وتغيب في معاقله وعند أربابه إذا خالف رأيهم، ويكونون أول من يقف ضده، بينما يريدون أن يقولوا ما يشاؤون، ولو وعارضهم أحد عادوه وصادموه واتهموه بتهم كثيرة منها؛ العنصرية، الطائفية، الرجعية.. الخ، من تلك الصفات التي يرفضون أن يطلق عليهم شيء منها، لكنهم يوزعونها كما يريدون وقد لا يكتفون بالرد على الفكر بفكر مقابل يظهرون به الحجج ويبينون للناس الحق إن كان معهم، وإنما لجأوا إلى أبعد من ذلك، فصادروا الرأي المقابل والمعارض فقطعوا الصوت من الإذاعة أو التلفاز، أو أوقفوا نشر مقال يعارضهم وربما أبعدوا النعجة فقاموا بمحاولة اغتيال لمن يقول رأيه بصراحة.
نعم إنهم يطالبون بالحرية وإذا قال مخالفهم رأيه بحرية لم يعجبهم فهم الذين يدعون بالحرية في الخطب وعلى المنابر، وفي لندن وفي كل مكان يستطيعون الوصول إليه يحاولون المساس بشخصيات البلد وينتهكون حرمات الدولة باسم حرية الرأي والتعبير، وهم الذين قتلوا مؤلف كتاب ''لله ثم للتاريخ'' لما قال رأيه بصراحة.
يصرخون بملء أفواههم ويتشدقون بحرية الرأي ويدعون إليه، فإذا وقفت صحيفة ضد مطامعهم أو قامت بكشف أستارهم وإزالة الستر عن خباياهم هاجموها، وما حصل لمدير تحرير صحيفة ''الوطن'' هو جرم في حق ''الوطن'' الصحيفة وفي حق الوطن البحرين وفي حق حرية التعبير، وهو من باب تكميم الأفواه ومصادرة الرأي، وإلا فإن العقل يوجب أن يكون الفكر يواجه بالفكر لا بالعنف، ولم يفلح من قدم العنف على الفكر، وهو كذلك لن يفلح، وربما يعلو حيناً ولكنه يهوي في هوة سحيقة إذا ما عجز عن المواجهة الفكرية، التي تنقض مزاعم خصمه وتقوض أفكاره.
أعتقد أنه قد حان أن تصدر فتوى تحرم قراءة جريدة ''الوطن'' وعلى من يقرأها من غير المؤهلين لقراءتها أو للرد على ما جاء فيها عن خبرة ودراية فعليه أن يصوم ثلاثة أيام، كما هو الحال في الفتوى التي ظهرت بخصوص وسائل إعلامية أخرى سابقاً، وذلك الاعتداء ما هو إلا رسالة شريفة من المعتدين ليس لمدير التحرير فحسب، وإنما هو رسالة تحذيرية لجميع الكتاب، وعليهم أن يدركوا أنه متى ما حصل تجاوز لخطوطهم أو فضح لهم فإن الأمر قد يصل إليهم، ورسالة لهم كي يردونهم عن صراحتهم في حماية الوطن من خلال وقف حديثهم عن الذين عاشت أجسادهم ونمت على خيرات البحرين وتغذت قلوبهم وتصرفت بأمر دولة أخرى.
؟ ومضة:
''حرية الفكر شعار يحاربه أول الداعين إليه عندما يخالفه''.
- آخر تحديث :
التعليقات