جهاد الخازن
أعترف بأنني عربي طالب سلام، والكلمات الثلاث السابقة يناقض بعضها بعضاً، فالعربي أو المسلم يفترض أن يكون داعية حرب بامتياز، ويريد أن يسيطر على العالم ويخضعه للشريعة.
مع ذلك فأنا طالب سلام حتى لو ناقض كلامي جذوري، ولا أريد حرباً، ولا أريد أن يُقتل أحد، من العرب أو اليهود أو الأميركيين. حتى رجال القاعدة، وهم ارهابيون مجرمون، أطالب بأن يسجنوا داخل مغارة، فهم يريدون أن يعيدونا الى المغاور، وأن يغلق الباب عليهم ليستريح الناس من شرّهم، فيقدم اليهم الطعام من فتحة ضيقة قرب الأرض، وأن يرسل أركان إدارة بوش/ تشيني الى معتقل غوانتانامو، وأن توجه اليهم تهم ارتكاب جرائم حرب بعد سنوات من اعتقالهم.
أكتب مدركاً انه لا يهم ان أكون طالب سلام أو طالب حرب لأنني لن أنشر ذاك أو أمنع هذه. غير أنني أكتب بدافع القلق، وحتى الخوف، ومع خلفية إحياء ذكرى إرهاب 11/9/2001، فقد كُتب عنها ملايين الكلمات من دون أن أقرأ مما توافر لي أو سمح به الوقت كلاماً صحيحاً عن أسباب ذلك الإرهاب، ونعرف جميعاً أنه لا يمكن أن يعالج مرض من دون معرفة أسبابه.
أتجاوز التاريخ حتى سنة 1967، وحرب 5 حزيران (يونيو)، فهي كانت بدء الالتزام الأميركي الكامل بإسرائيل في ولاية ليندون جونسون، بعد أن كان الموقف الأميركي معتدلاً وإيجابياً، كما بدا واضحاً من وقوف دوايت أيزنهاور ضد العدوان الثلاثي سنة 1956.
الابتعاد عن الولايات المتحدة تحول الى عداوة في النهاية، وإذا كان لي أن أعطي مثلاً عن لبنان حيث الأمة كلها ممثلة، فأحزاب اليمين المعروفة تحولت تدريجاً الى اليسار، أي الى المعسكر الشيوعي، بعد أن كانت فاشستية، والحزب القومي السوري أصبح القومي الاجتماعي، ورئيسه في حينه الدكتور عبدالله سعادة قال في مؤتمر صحافي بعد خروجه من السجن: laquo;نبدأ من اليمين لأن اليمين أقدم، وننتهي باليسار لأن المستقبل لليسار. أما حركة القوميين العرب التي أفرزت شباب العودة وشباب الثأر، فتحولت من بدوي يريد أن يثأر الى حزب يساريraquo; وانقسمت الجبهة الشعبية على نفسها بين شعبية وديموقراطية وأيهما أكثر يساراً.
ما سبق خلفية أو معلومات صحيحة وليست رأياً يخطئ أو يصيب. وهي عادت إلي وأنا أرى الأميركيين يحيون ذكرى ضحاياهم ذلك اليوم المشؤوم ويتذكرون من فقدوا وينسون ضحايا الآخرين الذين سيبرر موتهم الإرهاب التالي.
دِنت الإرهاب يوم وقوعه ولا أزال أفعل من دون تحفظ إطلاقاً، غير أنني أصر على أنه لم يأتِ من فراغ، فالسياسة الخارجية الأميركية على مدى عقود كانت ضد العرب والمسلمين، وهي مسؤولة عن الإرهاب مسؤولية الذين قاموا به.
أتحدث عن المسؤولية فقط من منطلق أن الإرهاب سيستمر إذا لم تعالج أسبابه. وهو إذا استمر طويلاً فسينتهي إرهاباً بأسلحة دمار شامل.
عندي خلفية ثانية، فالفكر الإرهابي متهم بأنه يسعى الى هيمنة الإسلام على العالم وفرض الشريعة على شعوبه. وحتى إذا افترضنا ان هذا صحيح، فإن مجالات تحقيقه صفر أو دون الصفر. في المقابل، كانت هناك عصابة في ادارة جورج بوش بقيادة نائب الرئيس ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد حاولت فرض إمبراطورية أميركية على العالم، والتقت أهدافها مع المحافظين الجدد أنصار اسرائيل.
الإرهابيون الذين يريدون الجهاد قتلوا ثلاثة آلاف أميركي، ودعاة الإمبراطورية الأميركية قتلوا أكثر من مليون عربي ومسلم سعياً وراء هدفهم، وفشل الطرفان في تحقيق شيء يتجاوز قتل الأبرياء، ومع ذلك فهما ماضيان في العمل لتحقيق هدفيهما، والقاعدة لا تزال تمارس الإرهاب، ودعاة الإمبراطورية لم يحاكموا على قتل ألوف الأميركيين مع مئات ألوف المسلمين، وانما هم اليوم أخطر أعداء باراك أوباما داخل الولايات المتحدة، وقد يعودون الى الحكم لمواصلة حلمهم، أو كابوس بقية العالم.
في تاريخ العالم المتفق عليه كله لم يحدث أبداً أن حكم دين أو بلد العالم كله، ومرة أخرى المطلوب تغيير السياسة الأميركية قبل فوات الأوان، والتغيير مصلحة أميركية قبل أن يكون مصلحة عربية أو اسلامية لأن الإرهابيين من المسلمين برزوا بسببها واستمروا بسببها، وسيظلون يجدون جنوداً للإرهاب ما استمرت هذه السياسة التي لا تحمي اسرائيل أبداً، وإنما تشجعها على التطرف ورفض السلام حتى يأتي يوم تجد فيه ان ترسانتها النووية تحميها ضد الدول إلا أنها لا تحميها ضد ارهابيين يطلبون الموت، وهو أقرب منالاً عندما يحصلون على أسلحة دمار شامل.
التعليقات