سركيس نعوم

لا احد يحسد الآن زعيم تيار quot;المستقبلquot; ورئيس الحكومة سعد الحريري على الوضع الذي وجد نفسه فيه. علماً ان ملامح هذا الوضع البالغ السلبية، ورغم انكار نوابه والقريبين منه ذلك، كانت ترتسم في الافق قبل تكليفه تأليف حكومته الاولى. وعلماً ايضاً ان الملامح نفسها اكتمل رسمها عندما مكّنه اصحاب الحل والربط من النجاح في تأليف هذه الحكومة. طبعاً لا يمكن ان يصدّق احد ان الحريري الابن والرئيس لم يكن متنبهاً الى ذلك، ولم يكن متوقعاً كل ما واجهه منذ تأليفه الحكومة. ذلك انه انسان سوي مر بتجارب مريرة وصعبة وقاسية منذ تصديه للشأن العام بعد استشهاد والده الرئيس رفيق الحريري. ولا يمكن انساناً كهذا ألاّ يتوقع ما حصل ويحصل، إلا اذا كان قراره اساساً إغماض عينيه عن الواقع الداخلي، والواقع الاقليمي، والوضع الدولي، انطلاقاً من ايمان راسخ لديه بأن الله هو الحامي والموجّه والمُسيِّر، وبأن حلفاء quot;الوالدquot; واصدقاءه لن يخذلوه ولن يتركوه، إذ ان من شأن ذلك خسارته وفريقه. وخسارة كهذه ستنعكس سلباً عليهم في مواجهاتهم الصعبة الدائرة حالياً في منطقة الشرق الاوسط. علماً ان تخلّي هؤلاء عنه وعن فريقه يبقى وارداً اذا انتهت المواجهات المشار اليها الى صفقات وتسويات بين اطرافها. ذلك ان لبنان كله، وليس الحريري وحده وquot;مستقبلهquot;، وليس اي فريق لبناني آخر، اياً تكن قوته، يفقد اي اهمية له ويصبح اداة او سلعة يمكن مقايضتها بمصالح معينة.
في اختصار غاب رئيس الحكومة سعد الحريري عن لبنان ثلاثة عشر يوماً، وهذا من حقه. اولاً، بسبب عطلة عيد الفطر، وثانياً بسبب حاجته الى الراحة قليلاً كونه انساناً. ولم يصدر عنه اي موقف او تصريح رغم كل الذي حصل اثناء هذا الغياب، الأمر الذي اظهر في وضوح ان لبنان قد يكون على اعتاب حرب مذهبية اسلامية، او على اعتاب استيلاء فريق معيّن على السلطة، او بالأحرى استكمال استيلائه عليها بعد نجاحه وعلى مدى اعوام في الامساك بكل مفاصلها. طبعاً صدرت عن نوابه واعضاء فريقه مواقف عدة، بعضها حادٌّ وبعضها مذهبي ومعظمها ان لم يكن كلها مُحيِّد لسوريا في quot;اختبار القوةquot; الذي كان جارياً ولا يزال. ولا نعرف نحن اذا كان اثناء quot;غيابه عن السمعquot; كما يقال، على معرفة بما يقال، او اذا كان مُوجِّهاً لكل ما قيل او لغالبيته. وغياب كهذا لا يمكن التسامح معه. إلا ان ما يخفف من وطأته او من سلبيته هو غياب المسؤولين الكبار في الدولة عن السمع، ولا سيما منهم المعنيون مباشرة بما جرى، في الايام القليلة الماضية، وإحجامهم عن الادلاء بتصريح أو بأي شيء يفيد ان الدولة موجودة، وتالياً يخفف من الهلع والخوف اللذين شعر بهما اللبنانيون كلهم من جراء التدهور الخطير للأوضاع المرشح في كل ساعة للتحوّل انفجاراً او انفجارات او تفجيراً او تفجيرات. ولن يخفف من هذا الغياب الكلام الذي سيقرأونه اليوم، بعدما سمعوه امس، اذا سمعوه، من هؤلاء في جلسة مجلس الوزراء التي صار انعقادها انجازاً تاريخياً، لا اعمالها. ذلك ان الشلل الذي زحف اليها تمكّن منها وجعلها عاجزة الا عن الاجتماع، وهي قد تصبح عاجزة عن الاجتماع ربما في وقت غير بعيد.
ماذا قال رئيس الحكومة سعد الحريري بعد عودته وقبل جلسة مجلس الوزراء وإن على نحو غير مباشر وعبر نوابه والقريبين منه؟ وهل ما قاله صحيح ومُقنِع؟
قال: quot;اننا لسنا ضعفاءquot;. وربما قصد بذلك quot;شعبهquot; وربما قصد تياره السياسي وربما قصد فريق 14 آذار. واياً يكن من قصده فإن قوله لا ينطبق على الواقع، ذلك ان الضعف هو السمة الاساسية له ولكل من يمثّل اليوم. وقال: quot;اننا اقوياء بالحقquot;. ومتى كان quot;صاحب الحق سلطاناًquot; الا في الامثال؟ فقضية فلسطين المُحِقة مستمرة منذ 62 سنة لأن quot;اصحابهاquot; ضعفاء وهي قد تختفي لأن ضعفهم صار مرضاً وغير قابل للشفاء. وقال: quot;ان سقف التهدئة هو التفاهم السعودي ndash; السوريquot;. لكن من قال ان اهداف طرفي الاتفاق لا تتعدى لبنان؟ ومن قال ان السعودية التي تهتم للبنان تاريخياً قادرة على مواجهة دهاء سوريا فيه؟ ومن قال ان سوريا لا تستطيع ان quot;تعطيquot; السعودية في امكنة اخرى، بل وحتى داخل لبنان في مقابل موافقتها على عودة نفوذها الواسع اليه ولكن بطريقة جديدة؟ وقالوا عنه: quot;انه لن يساوم على دم والده ولذلك لن يتراجع عن المحكمة الدوليةquot;. لكن من اتهمه بالمساومة؟ أوَلم يلمس القائلون اصرار اطراف الداخل quot;المعارضquot; على التخلي عن المحكمة جملة وتفصيلاً في مقابل استمرار الحكومة؟ علماً ان ذلك لا يعني في المقابل تقوية الشرعية والدولة والعودة الى الاحتكام اليهما. وقالوا عنه: quot;انه متأكد من استمرار الاحتضان العربي للبنانquot; لكن اين هي مفاعيل هذا الاحتضان؟ فمن جهة هناك تواطؤ، ومن جهة هناك عجز. ومن غالبية الجهات هناك اعتماد على اميركا وربما غيرها للبقاء. والبقاء لا احد يُقنِع اللبنانيين ان ثمنه المحافظة على دمائهم ووطنهم.
طبعاً لا يستهدف هذا quot;الموقفquot; الرئيس الحريري الصديق وتياره وحلفاءه، كما قد يظن البعض. بل يهدف الى إطلاع الرأي العام على تنوّع quot;شعوبهquot; على الوضع القائم واحتمالات المستقبل، علّه ينشط ضاغطاً على الجميع لحقن الدماء وللاتجاه نحو التسوية الحقيقية. وتدليلاً على عدم الاستهداف هذا نتحدث ايضاً عن quot;حزب اللهquot; فنقول ان نائبه محمد رعد قال: quot;ان من قتل الحريري يريد قتل المقاومةquot;. لكن ماذا فعل حزبه لتلافي قتل المقاومة؟ او النجاح في ذلك؟ وهل ما يقوم به حالياً ينجّيها؟ وهل قتل المحكمة الدولية ينقذها؟ ولماذا لا يتذكر اصحابها منظمة التحرير الفلسطينية ووجودها في لبنان رغم الاختلافات الرئيسية بينها وبين المقاومة وحزبها؟
في النهاية نقول شيئاً قلناه في السابق وهو ان لا احد من الافرقاء اللبنانيين quot;مُصلٍّquot; على النبي. اي ان الكل مع الذهاب الى الآخر، سواء في رفض الاستسلام او في العمل للسيطرة الكلية. ونقول أيضاً علماً اننا لا نتمنى حصوله وهو ان لبنان يسير وللمرة الاولى منذ اولى ازماته المصيرية عام 1958 نحو quot;غالب ومغلوبquot;. لكن هذا اللبنان هل هو دائم؟ واذا دام فهل تنحصر السيطرة عليه بفئة دون اخرى؟