علي الطراح

يقولون في التاريخ عبرٌ. والحكيم من يتعلم من التاريخ. وبما أن الحكمة والحكماء ينكمشون في عالم اليوم الذي حول الوطني إلى مستبد ومدافع عن الاستبداد، ولوث المبادئ وجعلنا نفهم أن الأصولية ليست دينية فقط، بل العلمانية أيضاً أنتجت لنا أصوليات تضاف إلى أصوليات الإعاقة لكل ما هو جديد. ما يهمني حالياً هو الخبر الذي يبين أن حصار الفكر والعقل أصبح آخر اهتماماتنا. فالخبر يقول إن معرض الكتاب القادم في الكويت سيأتي بنصف عقل ونصف جسد، في عالم نتنفس الأكسجين فيه لكي لا تموت خلايا الفكر.

العالم محمد عمارة يقول: أستغرب من الكويت التي أنتجت لنا quot;عالم الفكرquot; وquot;العربيquot; وquot;المعرفةquot;، وكانت رائدة للانفتاح وسباقة لمكافأة المفكرين... أن تنقلب اليوم لتحارب الفكر وتمنع الكتب وتقنن دخولها.

العصور الوسطى التي حاصرت جاليليو ومنعت كتب أرسطو وأفلاطون، تطل علينا اليوم بحروبها ضد الفكر تحت حجة الدين والحفاظ على الثوابت والتراث. لقد ضاقت به الدنيا فلم يجد إلا أن يستقيل من جامعة بيزا حيث وجد أن التحالف مع الكنسية ينهش عقله إذ يريدون له أن يخضع لفكرهم المستبد فودعهم بحثاً عن الحقيقة. واليوم تشكل لنا محاكمة جاليليو صفحة من صفحات تاريخ الاستبداد الفكري وملاحقة الفكر ومبدعيه، فهؤلاء الذين أمضوا حياتهم وأفنوها من أجل العلم، كانت دائماً المقصلة تقف لهم بالمرصاد. محاكم التفتيش جاءت متسقة مع ظروفها التاريخية حيث كان الانفجار المعرفي يهدد أصحاب النفوذ المتسلط على الفكر، فهم كانوا يخافون من الحقيقة لأنها تسحب قوتهم وتقوضها، فهم يقتاتون على مائدة الاستبداد والتسلط. محاكم التفتيش كانت تأتي بالعلماء مكبلين بالأصفاد ومهددين بالإعدام والحرق وهم أحياء، وكان البعض مثل جاليليو يخافون على فكرهم، فيتنكرون له خوفاً من أن تُقتلَ المعرفةُ، لكنه كان يعلم أن المعرفة لا تُقتل وأنها لا تخاف ذئاب التخلف مهما كشروا عن أنيابهم وعادَوْا سنة الحياة. لكن تلك العصور كانت مخاضاً للخروج من عنق الزجاجة، وكان أولئك العلماء شهداء المعرفة. لقد قدموا لنا الحياة، وأعادوا العقل، وجعلونا نستمتع بصنع الخالق لعقولنا ونحمده على نعمة العقل.

الاستغراب يداهم عقلي عندما أجد أننا في عالم القرن الحادي والعشرين، لكن لازال ثمة من يحاول الحجر على العقل... فأبحث عن السبب وراء عودة الظلام في بلد يحاول اقتحام العالم المتقدم. فيا خوفي من الهجمة الساحقة على خلايا الوطنية وأصحاب الشعارات البراقة!

يقول لي شخص أقدر مقامه: والله يا دكتور إني لأعتصر ألماً لما يحدث، فأنا لست من الساسة وليس لي علم أو معرفة بمتاهات السياسة، فأنا من يحكم بالقانون وينصف الناس، لكن كم أشعر بالألم عندما أقرأ تصريحاً لشخصية، أنا وأنت نعرف أنها من عالم الملاهي، فتظهر علينا وهي تشجب quot;مارق لندنquot; دفاعاً عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، ابنة أبي بكر الصديق، الصحابي الجليل والخليفة الأول لرسول الله، وزوجة الرسول الكريم نفسه... فلو عرفتْ بالمطبلين لتبرأت منهم، فهي ليست بحاجة إلى دفاعهم عنها لأنها هي الدفاع وهي الحق والحقيقة وهي الشمس التي تبقى ساطعة. لكن يا دكتور، إنه عالم ملوث باتت فيه الحقيقة نوعاً من الرياء والنفاق، فبالله عليك كيف نفسر هذا الذي يحدث!