اميمة الخميس

الكلمة التي ألقاها الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية من على منبر اجتماعات الألفية الأخيرة في نيويورك لم تكن للترويج الدبلوماسي فقط بل بدا واضحا بها إرادات سياسية بمفردات دبلوماسية مدروسة وفكر طموح يسير إلى تحقيق المزيد من الأهداف باتجاه التنمية المستدامة .

فقد أشار في كلمته، في أكثر من موضع، إلى حرص المملكة في خططها التنموية على توسيع مشاركة النساء في النشاط الاقتصادي , والتوجه نحو تكريس مشاركة الجنسين على حد سواء في مؤسسات التعليم , وتطوير الآليات المؤسسية لخفض البطالة , مع دعم المشاريع الموجهة بشكل رئيسي إلى الشباب والنساء , مع تأكيده على اعتماد الشراكة العالمية للتنمية بوصفها نهجا تنمويا ثابتا للمملكة يعزز علاقة المملكة مع المجتمع الدولي .

هذه الواجهة الدبلوماسية الأنيقة التي تقدم من خلالها المملكة إلى المجتمع الدولي , تعكس وعياً دبلوماسيا عريقا عن أهمية علاقات المملكة مع المجتمع الدولي , وامتثالا للقيادة السياسية العليا الساعية في كل محفل إلى جعل المملكة مشارِكة فاعلة في صنع الحضارة الإنسانية .

لكن يبدو أن هذه الواجهة ليس لها علاقة بما يحدث في الداخل ,فمازلنا في بعض الَمواطن متورطين بالأبجديات ونناقش البدهيات , ونتصارع على قضايا تنتمي للقرن الماضي (ولاسيما علاقة المملكة مع العالم) في قضايا من المفترض أنها حسمت منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز الذي جعل للآخر منذ البداية حيزا كبيرا للمشاركة في التأسيس والتنمية .

على سبيل المثال اطلعت مؤخرا على كتاب أو هو تحديدا رسالة دكتوراه تحت عنوان (حركة التغريب في السعودية تغريب المرأة أنموذجا) , يجعل من كلمة التغريب مصطلحا ويعرفه (أشك هنا في قدرة المصطلح على تحديد مفهوم التغريب) ومن ثم يدرج تحت مظلته كماً وافرا من الأسماء المحلية التي لها حضور في الشأن العام , والمؤسسات ,والمشاريع التنموية , ابتداءً من تعليم المرأة والبعثات مرورا بالجمعيات الخيرية النسوية وانتهاء بالشيخ سلمان العودة ( كرمز استجاب للتغريب) .

الرسالة سفر ضخم تفوق 700 صفحة , أمضيت يوما وليلة وأنا أتغصصها حيث يظهر فيها الجهد الواضح لمؤلفها , وحرصه على جمع قاعدة معلومات هائلة لم يغفل فيها سيرة أو مشروعا أو كتابا أو مقالا صحفيا أو سطرا في منتديات الإنترنت دون أن يعود إليه مع جداول وإحصائيات بيانية قائمة على التقصي والزيارات الميدانية أحيانا , مدفوعا في كل هذا بدأب بحثي صبور وعاطفة احتسابية جياشة , جعلته ينال درجة الدكتوراه مع مرتبة الشرف من جامعة الأزهر والمفارقة هنا أن رئيس الأزهر هو شيخ حليق خريج السوربون أي تغريبي وفق مواصفات الكتاب وشروطه .

ولاأدري لمَ لجأ المؤلف إلى الأزهر لنيل أطروحته على الرغم من أن لدينا هنا كماً وافرا من المؤسسات البحثية التي من الممكن أن تستقبل رسالته ؟! هل يهدف إلى تجيير اسم الأزهر العريق لصالح أطروحته ، أو ليغلف عاطفته الاحتسابية الكبيرة المتوجسة من العالم بإطار أكاديمي رصين يمنحها المصداقية لدى النخب (وحتى لاتبدو خطابا وعظيا انفعاليا فقط ) أو قد يكون ابتعد بها عن قانون النشر والمطبوعات المحلي لأن في طيات الرسالة تعريضا واضحا بكم وافر من الأسماء المحلية وجعلها تخضع لأجندة خارجية أو كما يسميها تغريبية؟!

الملفت للنظر في الأطروحة هي الكمية الهائلة من المشاريع والأسماء والمؤسسات الإعلامية والثقافية التي تندرج تحت خانة مؤامرة التغريب , كل مايخطر على بالكم ومن تسمعون به في الفضاء العام المحلي حولنا قد وجد له أسطرا في هذا الكتاب , أيّ شيء يجعل المملكة تختلف عن هيئة قرية صغيرة يبعدها عنها (خط السفلت) بعشرة كيلومترات ، فهي بالنسبة للباحث المحتسب تدخل في باب التغريب . وبين خطابنا الدبلوماسي على منبر العالم، وبين البدهيات التي مابرحنا نكابدها ونقلبها وننظر في شأنها لعلاقاتنا مع المجتمع الدولي كونها مؤامرة تغريبية .. ستبدو الهوة سحيقة والموضع ... مختلف جداً.