غازي العريضي

ودّعنا العام 2010 والقطيعة راسخة بين القوى السياسية المختلفة في لبنان. إنه أبشع مشهد والأكثر كلفة في حياتنا الوطنية. فالقطيعة توسّع الهوة بين اللبنانيين. وخطاب التخوين والاتهام والتشكيّك والتحدي والحقد والضغينة يملأ الهوّة ويعمّقها مما يفتح الطريق أمام كل الذين يخططون للفتنة أو يريدونها ويتمنون حصولها متوهمين أنها تلبي مصالحهم ويغرق البلد في المشاكل التي لن ينجو من نتائجها أحد.


والأدهى من كل ذلك أن الكل تقريباً يتحدث عن تفاهم سعودي ndash; سوري وعن رفض الفتنة. فإذا كان الأمر كذلك ويعبّر فعلاً عن قناعة ورغبة في آن معاً، فماذا يفعل الذين ينفخون عن قصد أو غير قصد في نار الفتنة؟
ما هي مسؤوليتهم ومسؤوليتنا جميعاً في لبنان؟ هل نبقى ننتظر موعد إعلان التفاهم دون أن نقوم بأي جهد يحصّن ساحتنا وبيتنا الداخلي؟ أم يذهب بعضنا إلى فعل كل ما من شأنه أن يدمّر الفرصة المتاحة أمامنا. فنصبح جميعاً أمام المشكلة ويتفرج علينا الآخرون. الذين يحذرون من مؤامرة أميركية- إسرائيلية تريد دفع الناس إلى الفتنة وتصفية الحساب مع المقاومة للأسف يذهبون في هذا الاتجاه ويقعون في الفخ، اللهم الذين هم في موقع المسؤولية المباشرة.

وبعض الذين يقولون بالعدالة والاستقرار يساهمون عن غير قصد أيضاً في الإساءة إلى العدالة ولا نرى شيئاً مستقراً.

وكأنه لا يكفي هذا المشهد حتى يخرج علينا جون بولتون الذي تمرّس في فنون التحريض على الفتن وعلى نسف العلاقات اللبنانية ndash; السورية، يخرج علينا بصب الزيت على النار، ليقول إن القرار الظني في جريمة اغتيال الحريري سيصدر قريباً وسيسمّي أسماء بارزة في سوريا وquot;حزب اللهquot; في وقت يؤكد ولو في التصريحات ndash; مسؤولو الإدارة الأميركية أن التقرير سيصدر لكن لا أحد يعرف مضمونه! فماذا يريد quot;بولتونquot;؟ على ماذا يستند في كلامه؟ أليس في ذلك تأكيد إضافي على محاولة استغلال المحكمة وعملها لتخريب بيتنا الداخلي وعلاقاتنا مع سوريا؟

وفي ظل القطيعة، وهذا المناخ تتعطل المؤسسات الدستورية في لبنان. ولا أحد يعرف كيف يسيّر شؤون الدولة. وهذه ظاهرة خطيرة.

إن عدم انعقاد مجلس الوزراء ومناقشة القضايا الأساسية في البلاد واتخاذ القرارات اللازمة لإدارة شؤون الناس كل الناس... أمر خطير وغير مقبول مهما كانت الأسباب والأعذار. ولا يفيد اتهام هذا الفريق لذاك، أو العكس في النهاية مصالح الناس كل الناس، الذين ينتمون إلى الفريقين هي المتضررة. فأين العبقرية والحكمة والقناعة والالتزام بمصالح الناس؟

إن أخطر ما في السياسة أن تصل بموقفك إلى نقطة اللارجوع، فكيف إذا كنت قد انطلقت منها؟ في السياسة ليس ثمة شيء اسمه: لقد قلت كلمتي، ولا أستطيع أن أتراجع مع احترامي للمقامات والكرامات.

في إدارة شؤون الناس ومصالح البلاد العليا، لا يجوز أن يكون أحد تحت تأثير القرار الشخصي والحسابات والعوامل الشخصية في التصرف. هذا أمر غير مقبول.

وفي تعاطي الشأن العام، يجب تجاوز كل الحسابات الشخصية مع التأكيد أن ليس ثمة أحد معصوم من الخطأ. وفضيلة المسؤول وأمانته وشجاعته تجاه الناس، هو أن يقدم وأن يعترف بالخطأ بطريقة أو بأخرى.

كذلك ليس ثمة شيء في السياسة اسمه الكبرياء اللامحدود الذي يتحول إلى مكابرة قاتلة. وبالتالي السياسي معرّض دائماً للتنازل للوصول إلى تسوية مع خصومه أو شركائه. هذه هي السياسة عموماً وهكذا هي خصوصاً في لبنان. نحن هنا محكومون بالتفاهم. بالتسوية. إي بالتنازلات المتبادلة من أجل لبنان وتنوعه وأمنه واستقراره فكيف إذا كنا نمرّ في مرحلة مثل المرحلة الحالية التي يتحدث فيها الجميع عن فتنة ليست كغيرها من الفتن إذا ما وقعت لأنها ستعيد إنتاج الطرح والخلاف، الذي وقع منذ 1400 سنة بين السنة والشيعة مع ما يعني ذلك من جراح وآلام ونتائج ينبغي أن نعمل على تجاوزها وتعزيز الوحدة والاتصال بين الناس.

الكل يتحدث عن الفتنة ويحذّر منها. في الخارج وفي الداخل، ونحن نتصرف كأننا ذاهبون إليها. كأننا ننتظر لحظة حصولها دون أن نفعل شيئاً لوأدها ولتجاوزها. وأخطر ما في الأمر أن كل واحد منا يفكر في موقفه ومن موقعه ولا يفكرّ مع غيره أو في غيره. وهذا الوجه الأخطر للقطيعة.

في الحرب الأهلية كان الدمار والخراب والقصف، وكانت المعارك في كل مكان، وكان الحوار أو التواصل قائماً بشكل مباشر أو غير مباشر بين اللبنانيين. يعني كان ثمة ناظم للعلاقات اللبنانيةndash; اللبنانية، والعلاقات اللبنانية ndash; السورية. اليوم نعيش قطيعة ولا يوجد ناظم لتلك العلاقات فهل يمكن أن نستمر هكذا؟ آخذين بعين الاعتبار تعدد وسائل الإعلام وتراجع دورها المهني لصالح الدور الذي يريدها لها السياسيون اللاعبون الكبار quot;مالكوquot; هذه الوسائل، وهو للأسف دور التحدي والتحريض والتعبئة غير آبهين بما يرتبه ذلك من نتائج سلبية في حياتنا الوطنية.

نودّع العام 2010 والقطيعة قائمة، فهل نستقبل عام 2011 بوداع هذه القطيعة وفتح قنوات التواصل والحوار بين كل اللبنانيين؟

كيف يعيش أبناء وطن واحد مع بعضهم ونسمع أن ثمة بينهم من لا يريد الحوار؟