محمد أحمد الحساني


لم أستطع حتى لحظة كتابة هذه السطور فهم واستيعاب كون رجل واحد اسمه أسانج استطاع اختراق مراكز معلومات الاستخبارات والدفاع والداخلية والخارجية، والمخاطبات الرئاسية السرية، وغيرها من الأسرار والمستندات والوثائق التي يبلغ مقدارها مئات الآلاف، ليقوم بعد ذلك بنشر وإذاعة تلك الوسائل الساحقة الماحقة في موقع أسسه أطلق عليه اسم laquo;ويكي ليكسraquo;.
لم أستطع فهم واستيعاب أن ذلك كله تم في غفلة من القوى الكبرى المسيطرة على العالم، التي ترصد عن طريق الأقمار الصناعية كل شاردة وواردة، وتلتقط صورا لتحركات الجيوش والأفراد والدول، وتتصنت على وسائل الاتصالات، وتخترق أسرار العالم، ولا تقوم أو تسمح بإذاعة شيء من تلك الأسرار إلا إذا كانت في ذلك مصلحة سياسية أو اقتصادية لها. وعليه، فمهما قيل من مزاعم عن غضب اجتاح تلك القوى الكبرى على ما نشره ذلك الموقع من أسرار خطيرة، ومهما حاول زعماء العالم الأول التظاهر بأنهم وجلون أو مستاؤون من فضح أسرارهم، وما قاموا به من عمليات عسكرية أو سياسية مباشرة أو عن طريق عملائهم، ومهما حاولوا التأكيد على غضبهم ضد صاحب الموقع laquo;أسانجraquo;، ومحاولة تلفيق تهم ضده، ومطاردته للقبض عليه حتى يقف أمام المحاكم للدفاع عن نفسه عن طرق محاميه مما نسب إليه، فإن ذلك كله لن يزيل غموض الموقف، أو يجعل عاقلا راشدا يصدق أن ذلك قد حصل دون علم ورضا بعض تلك القوى، ولأغراض سياسية مرسومة، قد يكون من بينها الاستمرار في سياسة laquo;الفوضى الخلاقةraquo; التي تبنتها الوزيرة السابقة للخارجية الأمريكية الآنسة كوندليزا رايس؛ لأن بعض ما نشر من أسرار ووثائق، خلف أجواء من الشكوك وعدم الثقة بين تلك الدول وتبادل الاتهامات بالتسريب والشعور بالإحراج الخفيف أو الثقيل، حسب مستوى درجة حياء من كشفت أوراقهم وأسرارهم بسبب ما فضح ونشر من وثائق. ولذلك فإن العقل يميل إلى أن عملية التسريب مقصودة، ولها أهداف سياسية قد تظهر واضحة ذات يوم، وأن أسانج الذي صور على أنه بطل خارق تتعاون القوى العظمى على طرحه أرضا؛ قد يكون مجرد ضحية وأداة من الأدوات التي تستخدم لمرة واحدة ثم يلقى بها في براميل النفايات!