يوسف الكويليت
خلال الأيام القادمة ستُدفن وحدة الشمال مع الجنوب السوداني، ودواعي الأزمة لم تبدأ حديثاً، بل تخللتها عوامل قهر وتجويع، أوما يشبه الفصل العنصري من قبل الحكومات الانقلابية المتعاقبة التي حطمت الديموقراطية الوليدة بعد الاستقلال في الشمال وحولت البلد من مصدر للأغذية إلى جائع مدمر اقتصاديا، عندما وجهت موارده للتسلح والصرف على أجهزة الاستخبارات والأمن التي تلاحق المعارضين واللا laquo;راضينraquo; عن الأوضاع سواء من علق نياشين ستالين، أو شعار الدين، وأعلام الغرب..
الانفصال صار أمراً حتمياً، والمنطق يفرض استيفاء شروط هذه المرحلة من دون تسييل للدماء بين القطاعين، وحتى مرحلة الأيام الأولى التي قد تبدأ بالأفراح في الجنوب، والحزن في الشمال سوف تلقي بظلالها على ما بعد الانفصال والبدء في بناء الدولة الجديدة في الجنوب، ومن يعتقد أن الوليد بلا عاهات أو تعقيدات يرى الأمور بنصف عين، لأن متطلبات إنشاء دولة، هي بذاتها معجزة في مجتمع تحوطه أمية قياسية، وتنافر بين القبائل وأصحاب الديانات وتداخل هذا المجتمع مع بلدان الجوار التي لا يُخفى دور تدخلها في الماضي والمستقبل..
قد تكون هذه الصورة غير متفائلة، لكنها الحقيقة، يبقى دور الشمال في الدعم وعدم التدخل، فبتر العلاقة لا يؤثر في أمن الجنوب فقط، بل أيضاً في الشمال، لأن الجغرافيا سوف تأخذ مدارها في ترسيم الحدود، وتقاسم مياه النيل، والنفط، والتعايش بين أبناء القطاعين سواء من سيبقى في أي من الدولتين، وهي مسائل ستكشف الأيام مآزقها على طرفي العلاقة..
وكما ظل الدور العربي مفقوداً والإفريقي مشلولاً، فإن اللاعبين الأساسيين ظلوا من خارج القارة، وهي مسألة تخدم مصالح تلك الأطراف، والدليل أن الانقسامات في أوروبا أو من ظل يعلن انفصالاً في أي دولة، يُردع بقوة القانون، والأمثلة كثيرة في إيطاليا، وبريطانيا وإسبانيا، بل إن توحدهم لم يحدث إجراءات سياسية معقدة، وتوحد الشرق مع الغرب الألماني نموذج ذلك..
ليست هناك أوراق ضاغطة عند الشماليين أو الجنوبيين إذا ما تم الاستفتاء والانفصال، وهنا لا بد أن يكون الواقع أقوى من أي مبرر آخر، بحيث لا تنقطع العلاقة ولا يتم القفز على المجهول، وعلى مطالب الشعبين أن تبدأ بخلق أجواء مصالحة تُبنى على أسس الجوار الآمن المبدد لأي مخاوف..
وعلى حكومة الخرطوم باعتبارها الأقوى في مؤسساتها وكيانها، أن تتعاون مع جارتها، وإلا ستدفع الجنوب إلى أحضان دول أفريقية، أو خارجية بما في ذلك التعامل مع إسرائيل، فالأمور إذا تراكمت الشكوك فيها، قد تبدأ بشرارة تنتهي إلى حريق، ففي زمن الانفصال تبقى حاجات الطرفين الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، أساسيات لكليهما..
المتفائل والمتشائم من أحداث المستقبل يضع مقاييسه ويخضعها للماضي ومناوشات الحاضر، وفي كل الأحوال رحلة السودانيين عسيرة، ولكنها ليست النهايات البائسة..
التعليقات