حمد الماجد


قد يكون ضربا من التخمين أن نربط بين حوادث المظاهرات الصاخبة التي اندلعت في تونس ثم الجزائر، لكن ما ليس تخمينا أن أميركا والدول الغربية تتحمل قدرا من المسؤولية تجاه تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية في عدد من الدول العربية خاصة تلك التي بدأت تعاني من تململ شعوبها.
لقد تخدرت أميركا والدول الغربية التي لها نفوذ في عدد من الدول العربية حين رأت التعسف ضد أصحاب التوجهات الإسلامية وحرمانهم في كل من فلسطين والجزائر من نتائج الانتخابات، وكانت أميركا سعيدة لأنها أخذت بالمثل الغربي الشهير laquo;شيطان تعرفه خير من شيطان لا تعرفهraquo;، لكن أميركا لم تروض شياطينها ليكونوا بشرا معقولين في التعامل مع شعوبها، فراحت سكرة التخلص من التوجهات الإسلامية وجاءت فكرة نتائج هذه الحكومات بتزايد النقمة الشعبية ضدها.
غريب حقا كيف لم تدرك أميركا وحليفاتها أن المنتفع الأول من فساد بعض الحكومات هي التوجهات الإسلامية، فهي تقتات شعبيتها على فشل حكوماتها وعلى فسادها السياسي والاقتصادي وعلى القبضة الحديدية التي تلوي بها ذراع شعوبها، عندها تبحث الشعوب عن المخلص أيا كان شعاره، فما بالك إذا كان شعارا جاذبا كالشعارات الإسلامية. خذ جولة على الدول العربية ستجد أنه كلما التفتت حكوماتها إلى شعوبها وشاركتها خيراتها ولو نسبيا وخففت من قبضتها الأمنية كانت أكثر استقرارا وشعبية، والإسلاميون فيها أقل شعبية، أو بعبارة أدق لا تشكل التيارات الإسلامية خطرا على حكوماتها. خذ الكويت وعمان كمثالين واضحين، فالإسلاميون في الكويت وإن كان صراخهم عاليا ومناكفاتهم صدعت برأس حكومتهم لكنهم في الحقيقة لا يشكلون أي خطر على كيان الحكومة، وفي الحالة الفلسطينية الوضع على النقيض، فقد ارتضت أميركا بالسلطة الفلسطينية الضعيفة وصمتت عن تجاوزاتها الكبيرة وباركت الانقلاب على النتائج التي أفرزتها صناديق الاقتراع فبقيت السلطة الفلسطينية بلا رصيد شعبي فكانت النتيجة أن شكلت المعارضة الإسلامية بقيادة حركة حماس خطرا حقيقيا عليها وتهديدا لإسرائيل.
إن أخذ بعض الدول العربية بالأسلوب القمعي في ترويض الشعوب، وإن كان يؤدي إلى نتائج سريعة في استقرار أمني شكلي إلا أنه في النهاية لا يعدو أن يكون ضغطا شديدا يؤدي حتما إلى الانفجار وإن طال الزمن، وهذا ما لاحظناه مؤخرا في عدد من الدول العربية التي بدأت تتصدع تحت وطأة مظاهرات شعوبها وغضبتهم، والإسلاميون في النهاية هم الأكثر استفادة.
بعض هذه الحكومات العربية هي الأخرى تخدرت بخصومة أميركا وحليفاتها للتوجهات الإسلامية والحيلولة دون وصولهم للحكم كما في الجزائر وفلسطين، وأدركت هذه الحكومات أنها مهما استشرى فيها الفساد ومهما شددت قبضتها الأمنية على شعوبها فإن أميركا ولو لم تعجبها تصرفاتها فإنها سترضى بها شيطانا تعرفه ولن تسمح بشيطان إسلامي لا تعرفه، هذا أيضا خطأ جسيم ترتكبه بعض الحكومات العربية، فالانتفاضة الشعبية تظل الخطر الذي لا يمكن لأميركا ولا غير أميركا أن تفعل إزاءه شيئا، وهذا بالضبط ما حصل في التجربة الإيرانية إبان التحالف الأميركي مع حليفها القوي شاه إيران شرطي أميركا في المنطقة، فقد تهاوت قوته الساحقة أمام الانتفاضة الشعبية فلم تخذل حليفها المخلص فحسب بل رفضت حتى استقباله وهو مريض بالسرطان.