سركيس نعوم

لا يشك احد من المتابعين اللبنانيين للشأن العام في بلادهم في ان الازمة التي تعصف بها منذ الاختلاف على quot;المحكمة الخاصة بلبنانquot; التي انشأها مجلس الامن لمحاكمة المتهمين باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري كانت بنداً رئيسياً على جدول اعمال المحادثات التي اجراها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في واشنطن مع الرئيس باراك اوباما قبل يومين. ولا يشك احد في انها كانت ايضاً موضوعاً رئيسياً، بل ربما الموضوع الرئيسي الذي استأثر بالبحث في اثناء المحادثات التي جرت في نيويورك بين ساركوزي والعاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز. وطبيعي ألا يشك احد في ان المحكمة نفسها كانت موضوع البحث الاساسي بين العاهل السعودي ورئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في لقائهما الطويل على ما وصفه قريبون من الزعيمين. وعدم الشك المشار اليه اعلاه يعود الى اسباب عدة. منها اهتمام السعودية وفرنسا بالشأن اللبناني، وحرصهما على تقديم كل المساعدة التي في استطاعتهما من اجل تمكين لبنان من اجتياز quot;القطوعquot; الكبير والخطير الذي يواجهه اليوم سواء على صعيد الداخل، او على صعيد العلاقة مع الخارج الشقيق قومياً والخارج الشقيق دينياً او بالأحرى مذهبياً. ومنها ايضاً اقتراب موعد صدور القرار الاتهامي الدولي في قضية اغتيال الحريري الأب، وشعور الدولتين اللتين تهتمان بلبنان، واحدة من موقع الصداقة وأخرى من موقع الاخوة، بضرورة التوصل الى تسوية سريعة وثابتة ودائمة وقابلة للتنفيذ للخلاف الداخلي حول هذا الامر تلافياً لعودة اللبنانيين الى الغرق في مستنقع الفوضى والفتن والحروب الدينية أو المذهبية او السياسية او الحزبية.
هل من معلومات تفصيلية عن المحادثات اللبنانية بين ساركوزي واوباما وعبد الله بن عبد العزيز والحريري؟
لا معلومات دقيقة تسرّبت حتى الآن سواء من نيويورك او من واشنطن او من الرياض او من باريس او من دمشق التي تبقى على اطلاع على ما يجري من محادثات نيويورك رغم عدم اشتراكها فيها، من جراء تسليم كل اطرافها بأهمية دورها الاقليمي ودورها اللبناني، وبقدرتها على المساعدة على quot;استعادةquot; السلام بين اللبنانيين او اعادة دفعهم الى هاوية الحروب. لذلك وحرصاً على عدم الخوض في هذا الموضوع انطلاقاً من تحليلات مجردة منطلقة من معلومات quot;ضعيفةquot; او من اجتهادات مطبوعة بتمنيات اصحابها رأيت انه من الافضل البحث في الموضوعات الاخرى التي تناولها رئيس فرنسا مع رئيس اميركا وملك العربية السعودية. وهي كثيرة ومهمة، وربما تفوق بأهميتها الأزمة اللبنانية. علماً ان الحاحها قد يوازي الحاح ازمة لبنان.
ما هي هذه الموضوعات؟
تقول مصادر ديبلوماسية غربية مطلعة ان موضوعات المحادثات المشار اليها كثيرة. لكنها تكتفي بالتحدث عن ازمة الشرق الاوسط اي الصراع العربي ndash; الاسرائيلي وجوهره الصراع الفلسطيني ndash; الاسرائيلي. اولاً، لأنها تملك عنها معلومات مهمة ودقيقة. وثانياً، لأن هذه الازمة شكّلت على مدى عقود خطراً كبيراً على المنطقة بسبب استمرارها من دون حل، وكذلك بسبب توظيفها من جهات اقليمية متناقضة. وثالثاً، لأن الازمة المذكورة تقف الآن على مفترق طرق وخصوصاً بعدما وصلت عملية السلام الرامية الى ايجاد حل لها، الى طريق مسدودة او شبه مسدودة، وذلك بسبب تعنُّت حكومة بنيامين نتنياهو، وضعف ادارة اوباما، وتفسّخ الصف الفلسطيني، وهزال الصف العربي.
ماذا جرى في المحادثات المشار اليها؟
تمتنع المصادر نفسها عن الخوض في هذا الموضوع لأن تسرّب المعلومات حتى اليها وبواسطتها يتطلب بعض الوقت او على الاقل أياماً. لكنها تتحدث عن التحضير للمحادثات بين ساركوزي واوباما حوله بين طاقمي اعدادها الفرنسي والاميركي فتقول ان باريس منزعجة تمام الانزعاج، ورغم تأييدها او حتى انحيازها الى اسرائيل، من موقف حكومة نتنياهو الرافض وقف الاستيطان في القدس الشرقية والضفة الغربية، او بالأحرى الرافض تجميده والذي ادى الى وقف عملية السلام بل الى وقف التفاوض المباشر بين اسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية، والذي اطلق عربة الحلول الانفرادية. اذ بدأ السعي الفلسطيني الى الحصول على اعترافات من دول العالم بدولة فلسطينية على حدود 1967 عاصمتها القدس. كما بدأ العمل الجاد الإسرائيلي لانجاز تهويد القدس الشرقية ولتوسيع الاستيطان في الضفة. وتقول ايضاً ان باريس تنظر بعين العطف الى محاولة الدول العربية بمبادرة منها وبطلب من الفلسطينيين عرض موضوع الاستيطان الاسرائيلي على مجلس الامن وذلك بغية مناقشته وتالياً اتخاذ موقف سلبي منه يتضمن المطالبة بوقفه والتنديد به والدعوة الى استئناف التفاوض. وتقول ثالثاً ان باريس سعت اثناء الإعداد للقمة الفرنسية ndash; الاميركية الى إقناع واشنطن، إما بتأييد صدور قرار عن مجلس الامن يتجاوب مع تطلعات الفلسطينيين حيال معاودة الاستيطان، وإما بالامتناع عن التصويت في حال عدم اقتناعها بطرح الموضوع كله على مجلس الامن او على الاقل بمضمون القرار المعروض للمناقشة، وتالياً التصويت. وتقول رابعاً، ان باريس ابلغت الى واشنطن ان ممارسة حق النقض quot;الفيتوquot; ضد القرار في مجلس الامن وخصوصاً اذا أيده سائر الاعضاء ويبلغ عددهم اربعة عشر لا بد ان يسيء اليها في العالم العربي كما في العالم الاسلامي. وتقول خامساً، ان واشنطن ابلغت الى باريس ان اميركا ستمارس حق النقض، وانها ربما أعادت النظر في ممارسته اذا وجدت ان مضمون مشروع القرار لا ينطوي على اي من العناصر التي تدين اسرائيل او تقيّد حركتها. وتقول سادساً، ان واشنطن قد تعوِّل على لندن من اجل العمل على تخفيف مضمون مشروع القرار ولهجته. واذا فشلت لندن فان واشنطن شبه مقتنعة بأن لندن ستجاريها في موقفها السلبي من المشروع. لكن سلبيتها قد لا تصل الى حد quot;الفيتوquot; اي النقض، بل تكتفي بالرفض.
هل تتغير هذه المواقف؟
ربما. لكن لا احد يعرف، تجيب المصادر الديبلوماسية الغربية المطلعة اياها. ذلك ان quot;المفاوضاتquot; حول هذا الموضوع مستمرة، ويتوقف مصيرها على الموقف العربي ومدى تضامنه وتمسّكه بمشروع القرار. كما يتوقف على اعضاء مجلس الامن الدائمين وغير الدائمين.
ملاحظة: ورد خطأ في quot;الموقفquot; أمس أن ولي العهد السعودي الأمير سلطان بن عبد العزيز يبلغ 69 سنة من العمر. والصحيح أنه أصغر من شقيقه العاهل السعودي بسنوات قليلة. فاقتضى التوضيح والاعتذار.