إياد الدليمي

حملت الأيام القليلة الماضية تطورات عدة على الساحة العراقية ولعل من أبرزها عودة الزعيم الديني مقتدى الصدر، صاحب الشعبية الطاغية لدى فقراء الشيعة في جنوب العراق، والرجل الذي شكلت مواقفه بين المقاومة والدخول في العملية السياسية لغزاً للكثير من مراقبي الأوضاع في العراق ومتابعيها.
مقتدى الصدر الرجل الذي لم يصل عتبة الأربعين من عمره بعدُ، يوصف بأنه صانع الملوك، فخلال حكومتي المالكي الأولى والثانية، جاءت أصوات أعضاء البرلمان من التيار الصدري التي تصل إلى 39 مقعداً برلمانياً لترجح كفة نوري المالكي.
مقتدى الصدر سليل العائلة الصدرية المعروفة في العراق، نجل المرجع الشيعي محمد محمد صادق الصدر، أخذ موقعه السياسي والديني عقب الاحتلال من خلال تلك العائلة الكبيرة والمعروفة، دون أن تسجل له وقائع الأحداث أي شيء قبيل الاحتلال الأميركي للعراق.
مقتدى الصدر، نجح منذ الأيام الأولى للاحتلال في تشكيل تياره الشعبي الطاغي خاصة في مدن جنوب العراق، ورغم حداثة تجربته إلا أن سليل العائلة الصدرية استفاد كثيرا من موقع والده الذي قتل في العام 1999 وقيل وقتها إن المخابرات العراقية السابقة مسؤولة عن اغتياله بينما ذهب آخرون إلى اتهام منافسين شيعة في تلك الحادثة.
لعب الصدر دوراً في تأجيج الشارع الشيعي ضد القوات الأميركية، فبعد أن انطلقت شرارة المقاومة العراقية في المدن السنية، وسط صمت مطبق في المناطق التي تسيطر عليها الأحزاب الشيعية، نجح الصدر في اختراق حافة الصمت تلك وقاد مقاومة ضارية ضد القوات الأميركية خاصة في العام 2004 في مدينتي الصدر شرق بغداد والنجف إلى الجنوب منها.
إلا أن ميليشيات المهدي التي شكلها الصدر بداعي مقاومة الاحتلال سرعان ما انقلب دورها في أعقاب التفجيرات التي طالت مراقد سامراء في فبراير من عام 2006 لتتحول إلى ميليشيات طائفية تقتل وتذبح على الهوية مستغلة الظروف التي وفرتها لها حكومة إبراهيم الجعفري آنذاك.
غادر الصدر العراق بعد تلك الأحداث الطائفية التي قادتها ميليشياته وميليشيات أحزاب أخرى بتواطؤ مكشوف من الحكومة آنذاك، غادر بعد أن سعت جهات أميركية وعراقية لاعتقاله بتهمة اغتيال عبدالمجيد الخوئي عقب دخوله العراق عام 2003 في مدينة الناصرية.
المتابع لما قاله الصدر في بيانه الأول عقب عودته من إيران يوم السبت الماضي يلحظ أن الرجل جاء وفي نيته ترميم البيت الداخلي أولاً، وأقصد هنا بيت التيار الصدري الذي عانى كثيرا من التصدعات في أعقاب موافقة الصدر على ترشيح نوري المالكي لحكومة ثانية بعد موقفه الرافض، حتى وصل الأمر بالصدر أن وصف المالكي بـ laquo;الكذابraquo;.
وأيضاً يسعى الصدر من أجل زيادة نفوذه الديني خاصة في أعقاب الأنباء التي تحدثت عن حصوله على شهادة عليا من الحوزة الدينية في قم، فالصدر يسعى لاسترداد قمة الحوزة الدينية في النجف والتي فقدها آل الصدر منذ عدة سنوات، وهو ما يفسر زيارة الصدر إلى مدينة كربلاء ولقاءه العديد من المراجع هناك.
وطبعا، فإن مقتدى الصدر يريد هذه المرة لتياره السياسي أن يكون أكثر تأثيرا في مجمل الحياة السياسية في العراق، فلقد حظي التيار الصدري بنحو سبع وزارات في تشكيلة الحكومة الجديدة ناهيك عن منصب نائب رئيس البرلمان العراقي، وهو ما سوف يساعد هذا التيار على التغلغل السياسي داخل الحياة الحكومية.
ولا يبدو أن الصدر قد جاء هذه المرة وفي نيته رفع السلاح بوجه القوات الأميركية، فهو دعا ومن خلال بيانه الأول في النجف إلى مقاومة القوات الأميركية سلميا، كما دعا الحكومة العراقية للعمل من أجل طرد هذه القوات من العراق خلال الفترة المتفق عليها بين بغداد وواشنطن أي في نهاية هذا العام.
ربما تغير لون الملابس لحماية مقتدى الصدر، غير أن سير الأيام القليلة الماضية التي قضاها الصدر في العراق لا يشير إلى أن مقتدى الصدر قد تغيّر.