آية الله حسين إسماعيل الصدر: نحمل للسعودية المحبة والتقدير ولا بد من فتح الأبواب مع بقية الدول العربية
السياسة عند بعض الساسة صراعات بعيدة عن الوطنية
بغداد - معد فياض
كلما حاول المرجع الديني، آية الله العظمى حسين إسماعيل الصدر، أن يبتعد في حواراته عن السياسة والسياسيين في العراق وجد نفسه يتحدث في الشأن السياسي الراهن حتى من باب الحرص على الدين لما يشعر به من ألم لما يعانيه بلده وأهله.
وخلال وجوده في لندن احتفالا بافتتاحه مؤسسة الحوار الإنساني، وهي واحدة من بين العشرات من المؤسسات التي يرعاها ويشرف عليها، خص مؤسس مرجعية الاعتدال laquo;الشرق الأوسطraquo; بحوار فيه من الوضوح والتشخيص للقضايا الوطنية، مؤكدا أن laquo;من سيس الدين فقد أهانه، ومن سيس المذهب فقد أساء إليه، فالدين فوق السياسة، وهو أب للجميع ويحمل الحب للجميعraquo;. وحول الحملات التي انطلقت من قبل بعض السياسيين ضد آخرين قاموا مؤخرا بزيارة السعودية، قال آية الله laquo;نحن نحمل للسعودية كل المحبة والتقدير، لها ولبقية الدول العربية الشقيقة، إذ لا بد من فتح الأبواب ما بين العراق وما بين الدول العربيةraquo;، واصفا السياسة عند بعض السياسيين العراقيين بأنها laquo;صراعات بعيدة عن الوطنيةraquo;. وفيما يلي نص الحوار:
* ما هو تقييمكم للوضع العراقي الراهن؟
- الساحة العراقية ساحة مؤلمة جدا ومؤثثة بالألغام التي وضعها هذا السياسي أو السياسي الآخر بأسماء متعددة، فمرة تكون ألغاما شخصية لمصالح خاصة وذاتية، ومرة تكون ألغاما حزبية وفئوية فيعمل من أجل جهته وحزبه ومجموعته، ومرة تكون ألغاما مذهبية وطائفية من أجل المذهب والطائفة، هذه مشكلتنا حتى الآن في العراق الحبيب، التي بدأت من فكرة المحاصصة، وحتى الدول التي عاشت في نظام محاصصة لعشرات السنين تشعر الآن بندم كبير لبناء دولتها على أساس المحاصصة، مع الأسف الآن هناك سياسيون في العراق يحاولون أن يبنوا العراق على أسس المحاصصة المذهبية والحزبية، وهذا في الحقيقة بعيد كل البعد عن مفهوم الديمقراطية التي يفترض أن تكون هي الأساس في بناء العراق التعددي، من المفروض أن يكون رأي الشعب هو الفيصل في القرار ومصير البلد، فكرة المحاصصة التي حاول بعض السياسيين تكريسها، وفعلا بنوا البلد على أساسها، هي فكرة مناقضة لفكرة الديمقراطية ولهذا نرى أن هناك الكثير من السياسيين يتخبطون لأن ثقافتهم ثقافة حزبية ومذهبية وفئوية، ومن الصعب على الذي يعمل بطريقة فئوية أن يعمل مع الآخرين كشركاء ببناء الوطن على أساس المواطنة والكفاءة والنزاهة والثقافة والعلم، لهذا من جملة المشكلات التي نعيشها الآن كعراقيين، أن السياسيين الذين يعتنون بتأريخ العراق وحضارته وتراثه وثرواته وحاضره هم قلة، لماذا؟ لأن غالبية من السياسيين العراقيين لا يحملون الهم العراقي بل يحملون الهم الشخصي والحزبي والمذهبي.
* كلنا يعرف أن الدين مقدس، ألا يدفع هذا برجال الدين في العراق للوقوف بوجه المتاجرة باسمه وباسم المذهب من قبل بعض السياسيين، والإفتاء، مثلا، بعدم استخدام الدين في السياسة؟
- في تقديري، أن من سيس الدين فقد أهانه، ومن سيس المذهب فقد أساء إليه، حيث إن الدين هو فوق السياسة، والدين هو أب للجميع ويحمل الحب للجميع، حتى للمسيء فالدين لا يعادي أحدا، الدين كله حب وأبوة وخير ولا يمكن أن يجتمع الخير مع العداء، الدين كله رحمة ولا يمكن أن تجتمع الرحمة مع العداء، حيث يقول الله تعالى لنبيه الكريم في كتابه المجيد laquo;وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَraquo;، ولم يقل سبحانه، لأبناء دين معين أو مذهب معين أو طائفة أو عشيرة معينة وإنما هو رحمة للعالمين لكل أبناء الديانات للإسلام ولكل البشرية. لهذا استعمال الدين كمفردة سياسية أو ما شابه فهو إساءة كبيرة للدين، يفترض أن يكون للسياسي أجندة لكن لا يفترض أن يكون الدين ضمن هذه الأجندة، ويجب أن لا يلبس عباءة الدين ويتغطى بعباءته، فالدين أكبر منه ومن السياسة والسياسيين، لا بد أن يبقى للدين قدسيته كما هو مقدس، ولا بد أن يبقى للدين أبوته للجميع، الدين دائما يجمع والسياسة دائما تفرق، وشتان بين ما يجمع وما يفرق، الدين يؤكد أهمية الإنسان وكرامته وحقوقه ومنزلته سواء بنصوص قرآنية أو بنصوص أحاديث عن النبي عليه أفضل الصلاة والسلام، أو بروايات عن أئمة أهل البيت عليهم السلام أو بروايات وأقوال الصحابة رضي الله عنهم، وأقوال لسلفنا الصالح، كل هذه الأقوال من آيات وأحاديث وروايات تؤكد أن يكون الجميع صفا واحدا ويدا واحدة وكيانا واحدا وجسما واحدا، هذا هو الدين، أما السياسة فقد جاءت ففرقت ما بين هذا وذاك، فحاول البعض أن يفرق على أساس الدين والبعض حاول أن يفرق على أساس المذهب، والآخر حاول أن يفرق على أساس القومية، وجاءت الأحزاب ففرقت ما بين أبناء الدين الواحد والمذهب الواحد وأبناء القومية الواحدة، إذن الدين دائما هو أب وحاضن وجامع للجميع، والسياسة دائما تفرق وتشتت الجمع.
* ألا تعتقدون أن بعض السياسيين الذين يسيسون الدين ويستغلون المذهب لصالحهم يعرفون أن هذا ليس في صالح الدين والمذهب، لا سيما أن هؤلاء قد قرأوا الإسلام وفهموا المذاهب وسيرة الصحابة وآل البيت؟
- يجب أن نجعل من المعرفة منهج بناء للحياة والتعامل والتعايش واحترام الآخر، وأن نجعل من المعرفة أساسا وطنيا لبناء الوطن، هنا تكمن المشكلة، أو الإيجابية عند البعض والسلبية عند الكثيرين. من الممكن أن يكون الإنسان يملك المعرفة، لكن المشكلة في كيفية استخدامها وتسخيرها وتطبيقها ، ولهذا أقول إن المعرفة نوع من أنواع الثقافة ، الجانب المعرفي مع الثقافة ممكن أن يكون حياتيا وعمليا ووطنيا ودينيا وإنسانيا، وهذا ما نعمل من أجله، أما من لديه معرفة ولكن لا يعرف الآلية المطلوبة والسليمة لتطبيق هذه المعرفة فسوف يكون وجودها من عدمها سواء، وبالتأكيد فإن المعرفة هي نوع من أنواع العلم، والعلم هو سلاح ذو حدين، من الممكن أن يكون للبناء أو للهدم، فإذا صاحب العلم الإخلاص والنزاهة، الإخلاص يعني العلاقة مع الله والشعور بالمراقبة الإلهية، ومرة يعني الضمير الحي واليقظ، وعند تتوفر هذه السمات عند من يمتلك العلم سوف يستثمر علمه ومعرفته بشكل جميل ومفيد وبناء، وأحيانا يتوفر العلم لكن من دون شعور بالمراقبة الإلهية في الجانب الإيماني ولا ضمير في الجانب الإنساني ولا أصالة وطنية، ولهذا سيكون العلم مادة للتخريب والهدم، كما نرى للأسف لدى بعض السياسيين في العراق يستخدمون ما لديهم من قابليات وقدرات الآن للهدم وليس للبناء، وما الفكر الطائفي الضيق والحزبي الضيق إلا نوع من أنواع الهدم الذي لا يمكن على أساسه أن يبنى وطن، وأي وطن كان ومنه العراق الحبيب.
* هل لنا أن نعرف عن جهودكم في الجمع بين العراقيين دون التفريق بين مذهب وآخر، أو بين دين وآخر؟
- هناك جهود نبذلها على نوعين، النوع الأول هو حديثنا المباشر ونصيحتنا الدائمة مع الكثير من السياسيين عندما نستقبلهم ونتحدث معهم في ضرورة العمل الوطني، وأن يكون العمل الوطني هو فوق العمل الذاتي والحزبي والمذهبي وفوق الانتماءات بكل أشكالها ومسمياتها، من الممكن أن تكون بعض هذه الأحاديث أثمرت مع بعض السياسيين، أما النوع الآخر فهو ما نقوم به مع الأطياف العراقية ككل بعيدا عن السياسة والسياسيين، ونقوم به على أساس تأكيد البيت العراقي الواحد وتأكيد الوطنية التي هي لجميع العراقيين والتي تضم جميع العراقيين بكل دياناتهم ومذاهبهم وطوائفهم وقومياتهم وأحزابهم، لهذا دائما نؤكد في اجتماعاتنا مع أعزائنا من أبناء الديانات الأخرى، الذين نحترمهم لأنهم أبناء ديانات سماوية ونحن نؤمن بكل الديانات السماوية ونؤمن برسالاتهم وكتبهم وأنبيائهم، أو على أساس الجانب الوطني باعتباره عراقيا ولا بد أن أتعامل معه على أساس العراقية والوطنية، بالتأكيد فإن مفهوم الإنسانية قبل كل شيء وبعد كل شيء، مفهوم أنه إنسان، وللإنسان حقوقه وأهميته ومكانته، وفي بعض أحاديثي أذكر أن أبعد الناس عن ديني هو الأيزيدي، ولكن ما دام أنه عراقي فهو ولدي وأحبه وأخدمه بما أستطيع لأنه عراقي وله حق في عراقه كما لي حق في عراقي، وله الحق في بلده كما لي الحق في بلدي، وهذا هو مفهوم المواطنة، ولهذا لدينا مؤتمرات ولقاءات وندوات نستضيف فيها الكثير من الرموز من بقية الديانات، أكثر من هذا نعمل من أجل تكريمهم وتأكيد اللحمة الإيمانية التي تجمع ما بين أبناء الديانات السماوية، وتأكيد اللحمة الوطنية العراقية التي تجمع ما بين كل أبناء العراق، أذكر على سبيل المثال التكريم الكبير الذي قمنا به لرمز من رموز العراق ورجل من رجالات العراق والسلام والمحبة والإنسانية، هو الكاردينال عمانوئيل دلي عندما منح درجة الكاردينالية من البابا في الفاتيكان، وبعد أن منح درجة الكاردينالية قمنا له في القاعة الرئيسية بمكتبنا في مدينة الكاظمية (بجانب الكرخ من بغداد) بتكريم واحتفال كبير ودعونا الكثير من الشخصيات العراقية من ديانات متعددة، وحضر التكريم عدد كبير من الشخصيات، هذا لقاء من لقاءات متعددة مع أبناء الديانات الأخرى، ومنهم أعزاؤنا المسيحيون، كذلك مع ديانات أخرى، حتى ديانات أرضية، فقبل مجيئي إلى لندن كان هناك طلب من أمير الأيزيدية في العالم أن يأتي للقائي وزيارتي، وحددنا موعدا للقائه وسوف أستقبله عند عودتي، واستقبلت أمراء أيزيديين قبل ذلك.
* الكثير من العراقيين يتوقعون من رجال الدين وقفة وكلمة ضد استغلال الدين من قبل السياسيين، هل هناك إمكانية صدور فتوى أو موقف قوي من رجال الدين ضد استغلال الدين؟
- هذا ما حصل بالفعل. في تقديري وعبر الكثير مما أكدناه سواء كان في أجوبة أو مؤتمرات أو ندوات، أو من خلال الإعلام، هو أن يفرق الإنسان بين السياسة والدين، وأن ننبه المواطن لهذه الأفكار، وهذا في اعتقادنا ما أثر في الساحة العراقية، بمعنى ما أثر عند الشعب العراقي، لهذا تغيرت الكثير من المفاهيم لدى الناس، وصارت غالبية منهم تفرق بين الحزبي ورجل الدين، أو بين من يستغل الدين ومن هو وطني، أما بعض السياسيين فليس من السهولة أن يتغير لأنه يعمل ضمن أجندة معينة، فإن لم يكن السياسي وطنيا فله أجندة وأهداف وغايات يريد تنفيذها ويعمل ويبذل كل ما يستطيع من أجل الوصول إلى هذه الغايات والأهداف، ولا يستمع لكلام المرجع الديني ولا لكلام الناصح والمرشد الصادق معه والمخلص له، وإنما هو يريد بكل السبل والصور أن يصل إلى أهدافه. ومع الأسف نرى أن الكثير من السياسيين يعمل بقاعدة أن الغاية تبرر الوسيلة، ولهذا لا يتورع عن أن يعمل بكل الوسائل من أجل الوصول إلى هدفه وإلى غايته، إذن الكثير من السياسيين ليس من السهل أن يستمعوا، ممكن أن يسمعوا ولكن لا يستمعون لأن الاستماع دائما يعني الإصغاء ومحاولة التطبيق ومحاولة العمل بما استمع، لهذا أقول إن الكثير منهم يسمعون ولكن لا يستمعون لك، أما على الصعيد الشعبي وكل المستويات الثقافية الشبابية والنسائية في الحقيقة هناك تغير في تقديري ملموس في الواقع العراقي.
* هل هذا يعني أن الشعب يستمع وهو أفضل من قادته؟
- نعم، وبكل تأكيد، في أكثر من حديث لي أدليت به للفضائيات وللإعلام المكتوب، قبل مجيئي، طالبت السياسيين العراقيين بأن يقتدوا بالشعب بعد أن قلت إن المفترض بالقادة السياسيين أن يكونوا قدوة للشعب، لكن يبدو أن الكثير من السياسيين نسوا أو تناسوا ما يجب أن يكونوا عليه.
* يدور الحديث في الشارع العراقي عن أعضاء البرلمان الذين يأخذون كامل امتيازاتهم ورواتبهم لعدة أشهر وهم جالسون في بيوتهم والبعض منهم مسافر، كيف تنظرون لهذه الظاهرة؟
- هذه المشكلة لا تتعلق بأعضاء البرلمان الجديد الذين يتقاضون امتيازاتهم منذ عدة أشهر ولم يفعلوا أي شيء، فحسب، بل حتى عندما يكونون موجودين في البرلمان، والذين كانوا في البرلمان السابق، ولنسأل الكثير منهم عما قدمه؟ وماذا أصلح في الدورات السابقة وما هي إنجازاته؟ قد تكون إنجازات شخصية له أو لبعض المحسوبين عليه حصلت، أو أن يكون قد حصل على بعض الامتيازات لحزبه، لكن ماذا قدم للعراق وللوضع العراقي المؤلم والجريح والمتدهور؟ إذ لم يكن في الحسبان في يوم من الأيام أن نسبة الفقر ونسبة الجائعين في العراق تصل إلى أكثر من 33% وهذا لم يكن في تصورنا، خاصة أن العراق بلد غني ومزدهر بالثروات والنعم، وأن العراقيين عرف عنهم كشعب مضياف على مر التاريخ، فكيف يمكن أن تكون نسبة من هم تحت خط الفقر في العراق أكثر من 33%؟ إذن ماذا عمل من جلس تحت قبة البرلمان؟ هل كان في حسباننا أن العراق يكون البلد الثاني في الأمية؟ فالعراق بلد التأريخ والمعرفة والعلماء والرموز، والعراق الذي صدر العلماء للعالم أجمع كيف يمكن أن يكون البلد الثاني في الأمية؟ هذا نتيجة التخبط السياسي الذي يعيشه العراق، ويؤلمني أن أقول إنه حصل حتى تخبط إعلامي ونرى بعض الإعلام العراقي بدلا من أن يكون إعلاما وطنيا ومثقفا وبناء وإنسانيا وعراقيا، نراه يجند لمصلحة هذا السياسي أو لمصلحة السياسي الآخر أو هذه الشريحة أو الشريحة الأخرى، وكل هذا على حساب الشعب العراقي.
* في اعتقادكم كيف يمكن أن يتعامل الدين مع السياسيين العراقيين الآن؟
- الإسلام كما أقول دائما، هو فوق السياسة ويرعى الجميع ومنهم السياسيون، بالتوجيه والإرشاد والنصح، ونقول لمن أحسن ضمن كل المجالات أحسنت وبارك الله فيك، ولمن ابتعد وأساء أو انحرف نقول له أنت أسأت انحرفت عُد إلى الصواب. وهناك من السياسيين العراقيين من يستحق أن نقول له أحسنت، فهناك من قدم ومن يحاول أن يقدم ما هو جيد ووطني وسليم، ولهذا أقول نعم هناك من يستحق أن نقول له أحسنت وبارك الله فيك، ونشد على سواعده، وبالتأكيد العصمة هي لأهل العصمة فقط، والإنسان ليس معصوما، فمن الممكن أن يقع في أخطاء وبعض الأمور التي يتصور أنها سليمة ولكنها ليست سليمة، وأعود وأقول إن هناك من السياسيين من عمل بشكل مخلص ووطني، ولهذا لا نبخسهم ما قاموا به من أعمال وإيجابيات، ولكن ليس كل السياسيين هم كذلك، السياسة دائما مبنية على مصالح، أما الدين فلا يبتغي أي مصالح دنيوية وإنما جاء من أجل أن يعطي وليس من أجل أن يأخذ، أما السياسة فتأخذ، وشتان ما بين من يعطي ومن يأخذ، الدين جاء ليعطي ويخدم الإنسان أما السياسة في العراق المتمثلة بالسياسيين فقد جاءت من أجل أن تأخذ من الإنسان.
* ما هي أهداف مؤسسة الحوار الإنساني التي افتتح فرع لها في لندن مؤخرا؟
- في الوقت الذي رأيت فيه أن هناك حوارات على أساس الأديان والتقارب ما بين المذاهب وما شابه ذلك، قلت إن المطلوب هو ليس هذا، بل المطلوب هو حوار إنساني لا يقوم على أساس هذا الدين أو الدين الآخر أو هذا المذهب أو المذهب الآخر أو تلك القومية والقومية الأخرى، أو الحزب والحزب الآخر، وإنما على أساس إنساني بحت. فالحوار ما بين الديانات اتخذ صورة النقاش في كثير من المجالات والمجادلة في بعض المجالات، كذلك في مسألة المذاهب، أما مؤسسة الحوار الإنساني فهي ليست من أجل النقاش والمجادلة وإنما هي من أجل معرفة الرأي الآخر، وإذا عرفت الرأي الآخر فلا بد أن تحترمه، وإذا عرفت الرأي الآخر لا بد أن تكون هناك مشتركات ما بين رأيك والرأي الآخر فتعمل من أجل تدعيم هذه المشتركات، إذا كانت على أساس إيماني ما بين الديانات فتعمل على أساس المشتركات ما بين الديانات، وليس أن تغير الطرف الآخر، وإذا كانت ما بين المذاهب فتعمل على المشتركات ما بين المذاهب، والمشتركات الموجودة حسب اعتقادنا هي أكثر بكثير من نقاط الاختلاف، فنعمل على أساس المشتركات وليس على أساس تغيير الآخر، وهذا فرق كبير ما بين الحوار الذي يقصد به إقناع الآخر وتغييره والحوار الذي يقصد به معرفة الآخر وليس تغييره، وإذا عرفت الآخر لا بد أن تحترم رموزه ورأيه وتأخذ منه ما يجعلك أقدر على بناء نفسك وشعبك ووطنك وكل الشعوب الأخرى، في تقديري هذه أهم أهداف مؤسسة الحوار الإنساني.
* إذن هي ليست مؤسسة شيعية أو دينية فقط؟
- بالتأكيد الجانب الديني هو مسألة متأصلة عند الإنسان، ولهذا لا بد من الاهتمام به واحترامه، والجانب المذهبي لا بد أن يحترم ويقدر، فكل شخص من حقه أن يحترم مذهبه، وأنا من واجبي أن أحترم مذهبك، ونتيجة احترامي للدين أو المذهب الآخر فأنا أعمل من أجل معرفته، وإذا عملت من أجل معرفته لا بد أن أحترم ما عرفته عن الدين أو الفكر أو المذهب الآخر، ومحاولة العمل من أجل المشتركات سواء كانت مشتركات في الجانب الإيماني الذي يشمل كل الديانات أو الجانب الديني الذي هو ضمن الإسلام أو الجانب الأكبر والأوسع الذي هو الجانب الإنساني، وكثيرا ما أستشهد بقول الإمام علي عليه السلام في وصيته لمالك الأشتر عندما ولاه (الإمام علي) على مصر laquo;اعلم أن الناس صنفان، إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلقraquo;، فأما أن تكون الأخوة والتعارف على أساس إيماني وديني وكل الديانات هي من الله سبحانه وتعالى، وإن لم يكن هناك أي ارتباط ديني ضمن كل الديانات السماوية فهناك ارتباط إنساني.
* ألا تعتقدون أن العراق فقد الحوار وضعفت علاقته بعمقه العربي بسبب الأحداث والعداءات السياسية؟
- بالتأكيد العراق بحاجة إلى أن ينفتح على الدول العربية والشعوب العربية فهم أجنحتنا ولا يمكن أن ننمو ونتطور من دون العلاقات الطيبة مع أهلنا وأحبائنا وأجنحتنا في العالم العربي، وأنا قلت لبعض الأعزاء من سفراء الدول العربية عندما استقبلتهم، المطلوب هو ليس الوجود الدبلوماسي فقط وإنما المطلوب الوجود الثقافي والإعلامي، وعلى مستويات متعددة من أجل أن يشعر الإنسان العراقي بأن أبناء الشعوب العربية هم معه ويعيشون ما يعيشه ويحملون همومه ويشاركونه في الأزمة ويعملون من أجل مساعدته، كما أن العراقي يحمل هموم الشعوب العربي ويحمل آلامهم وآمالهم، كذلك قلت نتمنى من الدول العربية أن يكون وجودها في العراق ليس على الصعيد السياسي بل على الأصعدة الأخرى المؤسساتية، الثقافية والاقتصادية، من أجل أن يتعايشوا حياتيا مع الشعب العربي، إذن نحن بحاجة إلى الانفتاح على العالم العربي والشعوب العربية، بالتأكيد هناك تاريخ مشترك وحضارة ولغة، وبالتأكيد العراق قدم للدول العربية الكثير والكثير في تاريخه، وبالتأكيد الدول العربية وقفت مع العراق في كثير من المحن، إذن نحن بحاجة إلى أن ننفتح على الدول العربية وتنفتح الدول العربية علينا ضمن الجانب الدبلوماسي والمؤسساتي.
* نرى أن هناك هجوما من بعض السياسيين على سياسيين آخرين عندما يزورون دولة عربية، السعودية مثلا، أليس هذا تخريبا للترابط العربي بسبب السياسة؟
- بالتأكيد، نحن نحمل للسعودية كل المحبة والتقدير، للسعودية وبقية الدول العربية الشقيقة، إذ لا بد من فتح الأبواب بين العراق والدول العربية، لا بد من تأكيد العلاقات الطيبة بين العراق والدول العربية، لا بد أن نرفع التشنج الموجود وعدم الوضوح الموجود من بعض السياسيين تجاه الدول العربية، بالتأكيد التشنج وعدم الوضوح ليسا من مصلحة العراق والشعب العراقي. مع الأسف فإن السياسة عند بعض السياسيين صراعات بعيدة عن الوطنية، ولهذا يحاول هذا الجانب أو هذه المجموعة من السياسيين أن يتكلموا بما يؤثر على الجانب الآخر من السياسيين الذين يقومون بهذه الزيارات، والعمل في تقديرهم من أجل إضعاف هذا الجانب أو أن يحققوا مكاسب من الساحة العراقية أو ما شابه ذلك، متناسين الجانب الوطني ومتناسين أهمية وعظمة المواطنة السليمة، التي لا بد أن تصب في خدمة العراق وسلامته وقوته وسيادته وأمنه وسلامة الشعب العراقي، ولهذا نرى هذه الصراعات وفي بعض الأوقات ومع الأسف مهاترات. أنا أرى من الضروري تقوية العلاقات مع الدول العربية، ولا بد من الانفتاح على الدول العربية كما ننفتح على بقية الدول، ليست هناك مشكلة، نحن بحاجة للانفتاح على كل دول الجوار والدول العربية والإسلامية، ودائما انفتاحنا على الدول الأخرى مع التأكيد على ضرورة سيادة العراق وأن يكون القرار في العراق قرارا عراقيا، وليس غير ذلك، ولكن الانفتاح مسألة ضرورية في تقديري مع الدول العربية ومع بقية الدول الأخرى والتنسيق معها من أجل مصلحة العراق.
* ختاما، ما هو الحل في رأيكم للوضع العراقي الراهن؟
- لا بد أن نبقى على تفاؤلنا، وأن نعيش الأمل إيمانيا ووطنيا، وأن نكرر دائما مع أنفسنا ومع أحبائنا الآية الكريمة التي تقول laquo;فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِraquo;، المرحلة الماضية أفرزت الكثير وكذلك غربلت الكثير من السياسيين على صعيد الواقع العراقي، وفي تقديري فإنها ستغربل الكثير كذلك، وعلى هذا الأساس نحن نبقى متفائلين، لكننا نحتاج للعمل من كل المخلصين والوطنيين والعراقيين، ونحتاج للعمل من كل الكفاءات، ربما البعض يقول إنه لم يتبق مجال للكفاءات الوطنية في أن تعمل الآن، وأقول هذا صحيح لأن الكفاءات غير المحزبة هي الآن مهمشة، والكفاءات التي لا تحمل أجندة حزبية ومذهبية وطائفية هي مهمشة كذلك، إلا القليل والقليل منها، ولكن مع كل هذا نقول المطلوب من كل الكفاءات والإمكانيات والمثقفين أن يعملوا من أجل العراق وأن يكون لهم صوت وبالنتيجة سيكون لصوتهم الأثر في الواقع العراقي.
التعليقات