عثمان الماجد

يبدو لي أنه لسؤال معيب هذا الذي ما زلنا نسأله في كل حين، حتى بعد انقضاء أكثر من ستين عامًا من بدء العمل به إطارًا مرجعيًا أمميًا تقاس وفق درجة الإنسانية التي تتعامل بها الدول مع بعضها البعض ومع مواطنيها، ويتعامل بها الإنسان مع مواطنه الإنسان الآخر ومع أخيه الإنسان في وطن ثانٍ، وثالث، ورابع و ... على هذه البسيطة، والسؤال هو laquo;إلى أين وصلت حقوق الإنسان، في وعي الإنسان، كسلوك وليس كمبادئ ومفاهيم مطرزة على الورق ومحفوظة بين دفتي كتاب؟ وهل هي مجرد مقولات وبنود نحشو بها ذاكراتنا؛ لنستعيد تلفظها واستفراغها في المؤتمرات واللقاءات والمنتديات، زاعمين أننا نمتلك ثقافتها إلى درجة التملك، ولكننا في الواقع العملي نجهل أبسط ممارساتها، بدليل تعثر أغلب البلدان العربية في جعل المواطنة معيارًا يحكم العلاقة بين المواطنين؟raquo; لا فائدة من الحديث عن حقوق الإنسان في أي بلد من البلدان في ظل غياب التطبيقات العملية للمواطنة، وهذا ما أثبتته التجارب العربية عن بكرة أبيها ولو بنسب متفاوتة.
قلت في رأس المقالة: laquo;إنه من المعيب أن نسأل مثل هذا السؤال؛ لأن أممًا أخرى وتحديدًا الأوروبية والأمريكية واليابانية منها - وأعرف أن المقارنة هنا ظالمة بسبب الفجوة المعرفية والحضارية وما تشيعه من قيم نحن في أشد الحاجة إليها مثل التسامح، واحترام الآخر، والحوار .. وغيرها - قد تخطت في مجتمعاتها الليبرالية والعلمانية مسألة التأسيس لهذه الحقوق بعد أن جعلت منها محورًا لكل سياساتها الداخلية والخارجية، وغدت معيارًا يحدد مستوى علاقاتها بالخارج؛ لتلتفت إلى حقوق الحيوان، نعم الحيوان!! وما زلنا نحن العرب نتجاذب الحديث عن حرية الرأي والمعتقد، ونتحارب ونقتل بعضنا بعضًا بأبشع صور القتل. وللتحقق من صحة كلامي استحضروا مشاهد قريبة من الممارسات القبيحة التي نمارسها مثل المجازر الجماعية التي يرتكبها شيعة العراق في سنته، أو مثلها التي يأتي بها سنة العراق في شيعته، وما ينطبق على المواطن العراقي ينسحب كذلك على السوداني في علاقة أنظمته المتعاقبة مع laquo;مواطنيهاraquo; في الجنوب الذي يتأهب لإعلان دولته بعد حرب استمرت أكثر من عشرين عامًا وراح ضحيتها أكثر من مليوني إنسان، أكرر مليوني إنسان. ولكم أن تتصوروا كمّ هذا الدم الأحمر المتدفق وغزارته في هذه البقعة السمراء من الوطن العربي!! في العموم أنا بهذا القول أحمل ضعف الثقافة بحقوق الإنسان السبب الأساسي في تردي الأوضاع الاجتماعية وتهالكها. ولهذا السبب نرى الإنسان العربي منتهكة حقوقه، وأشعر أن كل الدول متعددة الأعراق والديانات والمذاهب مرشحة لخوض التجربة السودانية إذا ما استمر وضع حقوق الإنسان على هذا المستوى من التجاهل عند الحكومات.
فهل من مبرر للسؤال الذي جاء في أول المقال laquo;إلى أين وصلت حقوق الإنسان في بلداننا، ونحن ندلف للتو العام 2011؟raquo; إجابتي المتأهبة والمتناهية في البساطة هي أن هذا السؤال سيظل منتصبًا طالما بقيت ثقافتنا مشدودة إلى الماضي، ومرتهنة بفتاوى لا تعير اهتمامًا للعيش المشترك، بل إنها لا تعير اهتمامًا للعيش في هذه الدنيا راسمة لها صورة بشعة، وتدعو إلى الانتقال إلى حياة أخرى غير هذه الحياة العبثية! ومسوغات طرحي له هنا في هذه الفترة المبكرة من العام الجديد هو الحادث الأليم الذي تعرض له أخوتنا المؤمنون من المسيحيين العرب في أرض الكنانة، إذ جاء تفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية بفعل من وصفهم أحد الكتّاب بشياطين الديانات وأبالسة المذاهب الذين يستنسخون لهم في حرية تامة صورًا في الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، ويفعل تأثيرهم مفاعيله في مجتمعات تنتعش فيها ثقافة الجهل، ومعيار هذه الثقافة، كما نعرف، هو فزعتها الغريزية العمياء إلى جماعاتها، وميلها إلى استدعاء تاريخ من النزاع والاحتراب يفترض أن يكون قد قُدّ أساسًا لحاضر يستوجب البحث عن مشتركات العيش الكريم. وليست التهديدات التي لا تبدو في الأفق من نهاية لها، والتي يتعرض لها المسيحيون في الجزائر والعراق وفي أقطار أخرى لم يأتِ الدور للكشف عنها بعد لضرورات تكتيكية سياسية مثل لبنان، كما أن كافة أشكال الانتهاكات الأخرى التي يتعرض لها الإنسان أينما وجد لا تمثل استثناءً من تلك المسوغات. والخطير في الأمر أن الحق هنا هو حق يتصل بالمعتقد الذي يؤكد عليه كل دستور من دساتير الدول التي تمارس فيها هذه الانتهاكات.
لربما يقول أحد إن نظرتي إلى الواقع العربي سلبية وإنني أبالغ في إظهاره على هذا النحو من التهتك والاختلال، إذ تحصل هناك في بعض دول الغرب وأمريكا نفس الفصول من مشاهد العنف الحاصلة عندنا. والحال أن حوادث فردية مجنونة قد تقع ويذهب ضحيتها العشرات من الضحايا، لكن سرعان ما تنفرج أسرار هذه الحادثة أو تلك عن أن الذي قام بالقتل معتوه، أو مريض نفسيًا. فهل أن الحال قد وصل عندنا إلى أن المعتوهين والمرضى النفسيين تخندقوا في أحزاب ومنظمات تحركها شهوة القتل على الهوية، وعلى المعتقد؟ أفلا يستدعي ذلك عندنا في البحرين جماعات حقوق الإنسان وجمعياتهم للعمل بين الجماهير، وأن تنشط لغرس قيم هذه الحقوق ورفع ثقافتها بينهم بعيدًا عن السياسة، لكي نتجنب السقوط في مهاوي العنف الذي وجدنا أنفسنا يومًا قاب قوسين من أو أدنى.
إلى الأعلى